صفات المربي الناجح
صفحة 1 من اصل 1
صفات المربي الناجح
لقد شهد التّاريخ للمربي وللمعلّم بالرِّفعة والقَداسة، فكان تاج الرؤوس ذا هيبة ووقار، لا يُجارى ولا يُبارى في المجتمع فهو الأمين المستشار وهو الأب الحنون البار لدى الكبار والصغار، وهو السّراج الّذي ينير الدرب للسالك، يروي العقول والأفكار ويحميها من الانحراف والانجراف نحو التيارات الفاسدة المضرّة ، فالمعلم مرب في المقام الأول والتعليم جزء من عملية التربية. وقد أشار القرآن الكريم إلى دور المعلمين من الأنبياء وأتباعهم في كثير من الآيات القرآنية مبيناً أن من أهم وظائف الرسول صلى الله عليه وسلم تعليم الناس الكتاب والحكمة وتزكية الناس – أي تزكية نفوسهم وتطهيرها – فقال الله تعالى {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} (129) سورة البقرة .
وقد بلغ من شرف مهنة التعليم أن جعلها الله من جملة المهام التي كلف بها رسوله صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلال مُّبِينٍ} (164) سورة آل عمران. .
وقوله تعالى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (11) سورة المجادلة .
ولكي ينجح المربي المسلم في عمله التربوي والدعوي وفي تأدية أدواره الأخرى في المجتمع الإسلامي والمجتمع العالمي لا بد أن تكون له شخصيته الإسلامية المتميزة .فالمعلم ليس مجرد ملقّن للمعلومات أو حارس للفصل الدراسي من الفوضى. لكنّ المعلّم من يساعد طلابه على اكتساب المعارف والمهارات، كما يهتم بصحتهم وبتوافقهم الشخصي والاجتماعي، وبآمالهم وأهدافهم وطموحاتهم، يساعدهم ليكونوا أجيالاً عالمة ناقدة مثقفة لا حملة شهادات وألقاب جامعيّة فارغة. أجيالاً عالمة بعلم نافع وكثير يخدم الحياة والتطوّر على المستويات جميعاً: الفكريّة والصناعيّة والزراعيّة والتجاريّة والصحيّة والقانونيّة والتربويّة، أجيالاً ناقدة أي محصنّة ضد البشاعة والغوغائيّة والسطحيّة والتفاهة والسخف والادّعاء على الأصعدة كافّة: الفكريّة والفنيّة و السياسيّة والدينيّة حتى المعيشيّة. .
ولا شك أن فهم وظيفة المربي والمعلم بهذا الشكل يعني ضرورة توافر مهارات معينة لدى ذلك المعلم أو المربي الذي يقوم بالتربية والتعليم ليكون مربيا ناجحا يسعى لتربية أبنائه تربية صالحة و إعدادهم إعدادا كاملا في جميع مراحل حياتهم بما يضمن لهم سعادة الدنيا والآخرة 00
وإيمانا مني بأهمية توافر تلك المهارات في شخصية المعلم فإنني رأيت أن أقدم بين يدي المربين بعض المهارات التي يجب أن يتقنها المعلم عند ممارسته لهذه المهنة الجليلة وهي مقومات أرى أنه لاغنى لكل معلم عنها مستعينة بما ورد عن ذلك في القرآن الكريم والسنة النبوية وكتابات العلماء والمؤلفين ممن تناولوا هذا الموضوع خاصة في مجال التربية الإسلامية 000
ولا شك أن مهارات المربي الناجح كثيرة كالحوار والرفق في التعامل واستشعار المسئولية وتنمية المبادرة ،و تنمية التعلم بالممارسة ،و المشاركة الشعورية للأبناء وتنويع أساليب التعليم بالقصة والموعظة والحكمة ونحوها ،و إتقان مهارات التقويم ومبدأ الثواب والعقاب والكتابة في هذا الموضوع تحتاج إلى بحوث كثيرة وصفحات عديدة وتحتاج إلى وقت طويل 00
لذا رأيت أن أقتصر على ما أراه أنه من أهم هذه المهارات وبما يتناسب مع وقتي وإمكاناتي الحالية ومن ضمن تلك المهارات مهارات متعلقة بالتعامل كالتزام القدوة الحسنة والرفق 00ومهارات متعلقة بعملية التعلم كالحوار 00وتنمية التعلم بالممارسة واستشعار المسئولية 00ومهارات متعلقة بعملية التقويم ومبدأ الثواب والعقاب وهي الثناء والتعزيز00و تصحيح الخطأ 00
وقد رأيت قبل البدء في تفصيل تلك المهارات أن أعرض جملة من الصفات التي يجب أن يتصف بها المعلم والمربي ثم ذكرت بعدها المهارات ملتزمة بتعريف المهارة وذكر أهميتها و طرح نماذج من حياة المربي الأول محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ثم بيان مدى إمكانية تطبيقها في الوقت المعاصر و الآثار الطيبة لتطبيقها في الميدان التربوي 00
راجية من الله العلي القدير أن أكون قد وفقت فيما قدمت و أن ينفع الله به إخوتي طلبة العلم الذين يبحثون في هذا المجال و إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان0
والله الموفق
أولا : صفات المربي
هناك صفات أساسية، كلما اقترب منها المربي كانت له عَوْناً في العملية التربوية، و الإنسان يسعى بكل جهده وبقدر المستطاع، للتوصل إلى الأخلاق الطيبة والصفات الحميدة ؛ومن أهم الصفات التي يسعى إليها المربي مايلي :
1-الإخلاص
وذلك بأن يخلص المربي نيته لله في كل أمور حياته من عبادات ومعاملات وقول وعمل ونصح وصلة رحم لقول الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.....".
وكذلك في كل عمل تربوي من أمر أو نهي أو نصح أو ملاحظة أو عقوبة، فسوف يشعر الأبناء بهذا الإخلاص في تصرفاته، مع حرصه على توجيههم لهذا المعنى، وسوف يحاولون أن يخلصوا نياتهم وأعمالهم أيضًا.
قال الله عز وجل : (( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )) " " الكهف ، الآية : 110 "
فيكون ما يقوم به من أعمال في تربية النشء خالصة لوجه الله سبحانه ، بعيدة عن الرياء والسمعة ، فالتربية شأنها شأن سائر العبادات الشرعية ؛ فلذا لا بد من إحاطتها بسياج الضوابط الشرعية ، بعيداً عن كل ما فيه تجاوز لتلك السياج .
قال داود الطائي : رأيت الخير كله إنما يجمعه حسن النية ، وكفاك بها خيراً وإن لم تصب .
2- الأمانة:
وتشمل كل الأوامر والنواهي التي تضمنها الشرع في العبادات والمعاملات. ومن مظاهر الأمانة أن يكون المربي حريصاً على أداء العبادات، آمراً بها أولاده وطلابه، ملتزماً بالشرع في شكله الظاهر وفي الباطن، فيكون قدوة في بيته ومجتمعه، متحلياً بالأمانة، يسلكُ في حياته سلوكاً حسناً وخُلُقاً فاضلاً مع القريب والبعيد في كل حال وفي كل مكان؛لأن هذا الخُلُق منبعه الحرص على حمل الأمانة بمعناها الشامل. (الرفاعي، تيسير العلي القدير ،3/521).
قال تعالى:{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } (26) سورة القصص
3- الصدق:
وهو "التزام الحقيقة قولاً وعملاً"، والصادق بعيد عن الرياء في العبادات، والفسق في المعاملات، وإخلاف الوعد وشهادة الزور، وخيانة الأمانات
فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ:دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا، وَرَسُولُ اللهِ قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ:هَاكَ تَعَالَ فَأُعْطِيَكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ :" مَاذَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ ؟ " قَالَتْ:أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ :" أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كَذْبَةٌ " صحيح الجامع (1319)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ :عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا." صحيح مسلم- المكنز - (6805 )
ومن مظاهر الصدق ألا يكذب المربي على ولده مهما كان السبب، لأن المربي إذا كان صادقاً اقتدى به أولاده، وإن كان كاذباً ولو مرة واحدة أصبح عمله ونصحه هباء، وعليه الوفاء بالوعد الذي وعده للطفل، فإن لم يستطع فليعتذر إليه 0
وبعض الأطفال يتعلم الرياء بسبب المربي الذي يتظاهر أمام الناس بحال من الصلاح أو الخلق أو الغنى أو غيرها ثم يكون حاله خلاف ذلك بين أسرته 0( النحلاوي ،2004م ،ص173).
4- العلم:
العلمُ عُدَّةُ المربي في عملية التربية. فلابد أن يكون لديه قدر من العلم الشرعي، إضافة إلى فقه الواقع المعاصر.
والعلم الشرعي:هو علم الكتاب والسنّة، ولا يطلب من المربي سوى القدر الواجب على كل مكلف أن يتعلمه، وقد حدده العلماء بأنه "القدر الذي يتوقف عليه معرفة عبادة يريد فعلها، أو معاملة يريد القيام بها، فإنه في هذا الحال يجب أن يَعرف كيف يتعبد الله بهذه العبادة وكيف يقوم بهذه المعاملة".(ا بن عثيمين، كتاب العلم،،ص21.)
وإذا كان المربي جاهلاً بالشرع فإن أولاده ينشأون على البدع والخرافات، وقد يصل الأمر إلى الشرك الأكبر - عياذاً بالله -.
ولو نظر المتأمل في أحوال الناس لوجد أن جلَّ الأخطاء العَقَدية والتعبدية إنما ورثوها عن آبائهم وأمهاتهم، ويَظَلُّون عليها إلى أن يقيّض الله لهم من يعلمهم الخير ويربيهم عليه، كالعلماء والدعاة والإخوان الصالحين أو يموتون على جهلهم.
والمربي الجاهل بالشرع يحول بين أبنائه وبين الحق بجهله؛وقد يعاديه لمخالفته إياه، كمن يكره لولده كثرة النوافل أو ترك المعاصي أو الأمر بالمعروف أو طلب العلم أو غير ذلك.
ويحتاج المربي أن يتعلم أساليب التربية الإسلامية ويدرس عالم الطفولة، لأن لكل مرحلة قدرات واستعدادات نفسية وجسدية، وعلى حسب تلك القدرات يختار المربي وسائل زرع العقيدة والقيم وحماية الفطرة السليمة.( النحلاوي،2004م، ،ص175).
و يجب أن يلم المربي الناجح بالأحداث الجارية وأهم خصائص مجتمعه وأهدافه العليا.وأن يكون واعياً للمؤثرات والاتجاهات العالمية، وما تتركه في نفوس الجيل، من أثر على معتقداتهم، وأساليب تفكيرهم، فاهماً لمشكلات الحياة المعاصرة، وعلاج الإسلام لها..
- الحِلم:
وهذا من الصفات الأساسية التي تساعد المربي على إنجاح مهمته التربوية وهي عكس الغضب والعصبية التي تشتكي منها كثير من الأمهات.
فالحلم من أعظم الصفات النفسية والخلقية فبه ينجذب الأبناء نحو المربين ويستجيبون لأقوالهم ويستطيع فهم الأمور في حالة الهدوء، وليس معنى هذا أن الحلم والرفق يكون دائمًا حتى يؤدي إلى التدليل ولكن يكون بحكمة وأن يضبط نفسه دون الغضب الضار.
وهما من الصفات التي يحبهما الله ولهما تأثير تربوي كبير، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ:إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ:الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ.. صحيح مسلم- المكنز -(126 )
وهذه قصة لطيفة تبين أهم الحلم والأناة في بناء أخلاق الجيل الجديد:قال عبد الله بن طاهر:كنت عند المأمون يوماً، فنادى بالخادم:يا غلام، فلم يجبه أحد، ثم نادى ثانياً وصاح:يا غلام، فدخل غلام تركي وهو يقول:أما ينبغي للغلام أن يأكل ويشرب؟ كلما خرجنا من عندك تصيح:يا غلام، يا غلام، إلى كم يا غلام؟!.. فنكس المأمون رأسه طويلا - فما شككت في أن يأمرني بضرب عنقه - ثم نظر إليّ، فقال:يا عبد الله، إن الرجل إذا حسنتْ أخلاقه، ساءت أخلاق خدمه، وإنا لا نستطيع أن نسيء أخلاقنا لنحسن أخلاق خدمنا..!!. (السيد ،2005م،ص30))
وقد يكون من المصلحة في بعض الأحيان العقوبة أو الضرب مثلاً، فعليه ألا يتأخر في المعاقبة حتى ينصلح أمره ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ (البقرة: من الآية 269)، ولقد حدثنا الله تعالى عن كظم الغيظ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: من الآية 134 ، ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) (43 (الشورى
كذلك الرفق لحديث الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-:"إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله"، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه" رواه مسلم.
6-العدل:
وقد كان السلف خير أسوة في العدل بين أولادهم، حتى كانوا يستحبون التسوية بينهم في القُبَل، وعاتب النبي – – رجلاً أخذ الصبي وقبَّله ووضعه على حجره ولما جاءت بنته أجلسها إلى جانبه، فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ - - فَجَاءَ ابْنٌ لَهُ فَقَبَّلَهُ وَأَجْلَسَهُ عَلَى فَخِذِهِ، وَجَاءَتْهُ بَنِيَّةٌ لَهُ فَأَجْلَسَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - -:" أَلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمَا ".رَوَاهُ الْبَزَّارُ ". صحيح مسلم- المكنز - (4269)
والعدل مطلوبٌ في المعاملة والعقوبة والنفقة والهِبَة والملاعبة والقُبَل، ولا يجوز تمييز أحد الأولاد بعطاء لحديث النعَمان المشهور حيث أراد أبوه أن يهبه دون أخوته فعَنْ أَبِي حَرِيزٍ، أَنَّ عَامِرًا، حَدَّثَهُ أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، قَالَ:إِنَّ وَالِدِي بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ، أَتَى رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عَمْرَةَ بِنْتَ رَوَاحَةَ نُفِسَتْ بِغُلاَمٍ، وَإِنِّي سَمَّيْتُهُ نُعْمَانَ، وَإِنَّهَا أَبَتْ أَنْ تُرَبِّيَهُ حَتَّى جَعَلْتُ لَهُ حَدِيقَةً لِي أَفْضَلَ مَالِي هُوَ، وَإِنَّهَا قَالَتْ:أَشْهِدِ النَّبِيَّ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ :هَلْ لَكَ وَلَدٌ غَيْرَهُ ؟ قَالَ:نَعَمْ، قَالَ:لاَ تُشْهِدْنِي، إِلاَّ عَلَى عَدْلٍ، فَإِنِّي لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ. صحيح مسلم- المكنز - (4269)
إلا أن هناك أسباباً تبيح تمييز بعض الأولاد كاستخدام الحرمان من النفقة عقاباً، وإثابة المحسن بزيادة نفقته، أو أن يكون بعضهم محتاجاً لقلة ماله وكثرة عياله، ولا يعني العدل تطابق أساليب المعاملة، بل يتميز الصغير والطفل العاجز أو المريض، وذلك لحاجتهما إلى العناية. وكذلك الولد الذي يغيب عن الوالدين بعض أيام الأسبوع للدراسة أو العمل أو العلاج، ولابد أن يبيّن الوالدان لبقية الأولاد سبب تمييز المعاملة بلطف وإشفاق، وهذا التميز ليس بدرجة الكبيرة ولكن فرق يسير بين معاملة هؤلاء ومعاملة البقية، وهذا الفرق اليسير يتسامح الإخوة به ويتجاوزون عنه.
7- استشعار المسئولية:
وهي أن يستشعر المربي مسئوليته في تربية أبنائه في جميع الجوانب الإيمانية والخلقية والاجتماعية والصحية؛ وهذا يدفعه إلى مراقبة وملاحظة الابن وتوجيهه وتعويده- فإذا غفل عنه لحظة أن تساهل فربما يتدرج الابن إلى الفساد خطوةً خطوة ووقتها يندم الأب وتبكي الأم ولكن بعد ماذا؟
فعلى المربي أن يستشعر هذه المسئولية ويعلم أن الله سبحانه سيسألهم عنها يوم القيامة: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ( 24:الصافات
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ (طه: من الآية 132 - كذلك حثنا الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وقال: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" متفق عليه، "إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته".
فعلى المربي أن يتحمل هذه المسئولية وينهض بها على أكمل وجه وبعزيمة قوية، وأن الله سيغضب عليه إذا فرط وأن الحساب عسير يوم القيامة.
وعلى المربي أن ينتبه إلى مخططات الأعداء التي تستهدف الشباب والأسر المسلمة، ونكون على بينةٍ فلا نترك أبناءنا ينخدعون ويجرون وراء هذه المخططات المغرية ونسلحهم بتقوية علاقتهم بالله وبسيرة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم والصحابة الكرام.
8- الرحمة:
صفة من صفات المربي الناجح وهي من الوالدين لأبنائهما أخص، ورحمة الأولاد من أهم أسس نشأتهم ومقومات نموهم النفسي والاجتماعي نموا قويا سويا، فإذا فقد الأولاد المحبة نشئوا منحرفين في المجتمع لا يتعاونون مع أفراده ولا يندمجون في وسطه. عن أبي قَتَادَةَ:خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِىُّ - - وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِى الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ، فَصَلَّى فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا، وَإِذَا رَفَعَ رَفَعَهَا صحيح البخارى- المكنز - (5996 )
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَبَّلَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَالأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسٌ، فَقَالَ:الأَقْرَعُ:إِنَّ لِيَ عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا قَطُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ :مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ. صحيح البخارى- المكنز - (5997)
والمربي الذي ينقصه الحنان لا يصلح للتربية، الذي يغلب عليه التجهم، الذي يبخل بالابتسامة، الذي لا يمسح على رأس الطفل، الذي لا يعرف إلا العقاب، أما الثواب فلا حاجة به إليه، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللهِ :لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا. وأنه بذلك مخالف لرسول الله - - في مزاحه مع الصبيان، وتلطفه معهم.
9- الليونة والمرونة:
وهنا يجدر بنا فهم الليونة بمعناها الواسع، وهي:قدرة فهم الآخرين بشكل متكامل لا بمنظار ضيق؛وليس معناها الضعف والهوان، وإنما التيسير الذي أباحه الشرع، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - - « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ » سنن الترمذى- المكنز - (2676)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بمبدأ التيسير وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثما عَنْ عَائِشَةَ - ا - أَنَّهَا قَالَتْ مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ - - بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ - - لِنَفْسِهِ فِى شَىْءٍ قَطُّ، إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ بِهَا لِلَّهِ 00 صحيح البخارى- المكنز - (6126 )
وأيسر الأمرين يكون في الأمور المباحة والمشروعة، فيتخير المربي في تعامله مع أبنائه وطلابه أحسن الأساليب وأفضل الأوقات وأحسن الألفاظ والعبارات، وأرق التوجيهات ليصل إلى عقولهم بأقل جهد وأقصر طريق. (الشحود ، 2009 ، ص20- 30)
وقد بلغ من شرف مهنة التعليم أن جعلها الله من جملة المهام التي كلف بها رسوله صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلال مُّبِينٍ} (164) سورة آل عمران. .
وقوله تعالى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (11) سورة المجادلة .
ولكي ينجح المربي المسلم في عمله التربوي والدعوي وفي تأدية أدواره الأخرى في المجتمع الإسلامي والمجتمع العالمي لا بد أن تكون له شخصيته الإسلامية المتميزة .فالمعلم ليس مجرد ملقّن للمعلومات أو حارس للفصل الدراسي من الفوضى. لكنّ المعلّم من يساعد طلابه على اكتساب المعارف والمهارات، كما يهتم بصحتهم وبتوافقهم الشخصي والاجتماعي، وبآمالهم وأهدافهم وطموحاتهم، يساعدهم ليكونوا أجيالاً عالمة ناقدة مثقفة لا حملة شهادات وألقاب جامعيّة فارغة. أجيالاً عالمة بعلم نافع وكثير يخدم الحياة والتطوّر على المستويات جميعاً: الفكريّة والصناعيّة والزراعيّة والتجاريّة والصحيّة والقانونيّة والتربويّة، أجيالاً ناقدة أي محصنّة ضد البشاعة والغوغائيّة والسطحيّة والتفاهة والسخف والادّعاء على الأصعدة كافّة: الفكريّة والفنيّة و السياسيّة والدينيّة حتى المعيشيّة. .
ولا شك أن فهم وظيفة المربي والمعلم بهذا الشكل يعني ضرورة توافر مهارات معينة لدى ذلك المعلم أو المربي الذي يقوم بالتربية والتعليم ليكون مربيا ناجحا يسعى لتربية أبنائه تربية صالحة و إعدادهم إعدادا كاملا في جميع مراحل حياتهم بما يضمن لهم سعادة الدنيا والآخرة 00
وإيمانا مني بأهمية توافر تلك المهارات في شخصية المعلم فإنني رأيت أن أقدم بين يدي المربين بعض المهارات التي يجب أن يتقنها المعلم عند ممارسته لهذه المهنة الجليلة وهي مقومات أرى أنه لاغنى لكل معلم عنها مستعينة بما ورد عن ذلك في القرآن الكريم والسنة النبوية وكتابات العلماء والمؤلفين ممن تناولوا هذا الموضوع خاصة في مجال التربية الإسلامية 000
ولا شك أن مهارات المربي الناجح كثيرة كالحوار والرفق في التعامل واستشعار المسئولية وتنمية المبادرة ،و تنمية التعلم بالممارسة ،و المشاركة الشعورية للأبناء وتنويع أساليب التعليم بالقصة والموعظة والحكمة ونحوها ،و إتقان مهارات التقويم ومبدأ الثواب والعقاب والكتابة في هذا الموضوع تحتاج إلى بحوث كثيرة وصفحات عديدة وتحتاج إلى وقت طويل 00
لذا رأيت أن أقتصر على ما أراه أنه من أهم هذه المهارات وبما يتناسب مع وقتي وإمكاناتي الحالية ومن ضمن تلك المهارات مهارات متعلقة بالتعامل كالتزام القدوة الحسنة والرفق 00ومهارات متعلقة بعملية التعلم كالحوار 00وتنمية التعلم بالممارسة واستشعار المسئولية 00ومهارات متعلقة بعملية التقويم ومبدأ الثواب والعقاب وهي الثناء والتعزيز00و تصحيح الخطأ 00
وقد رأيت قبل البدء في تفصيل تلك المهارات أن أعرض جملة من الصفات التي يجب أن يتصف بها المعلم والمربي ثم ذكرت بعدها المهارات ملتزمة بتعريف المهارة وذكر أهميتها و طرح نماذج من حياة المربي الأول محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ثم بيان مدى إمكانية تطبيقها في الوقت المعاصر و الآثار الطيبة لتطبيقها في الميدان التربوي 00
راجية من الله العلي القدير أن أكون قد وفقت فيما قدمت و أن ينفع الله به إخوتي طلبة العلم الذين يبحثون في هذا المجال و إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان0
والله الموفق
أولا : صفات المربي
هناك صفات أساسية، كلما اقترب منها المربي كانت له عَوْناً في العملية التربوية، و الإنسان يسعى بكل جهده وبقدر المستطاع، للتوصل إلى الأخلاق الطيبة والصفات الحميدة ؛ومن أهم الصفات التي يسعى إليها المربي مايلي :
1-الإخلاص
وذلك بأن يخلص المربي نيته لله في كل أمور حياته من عبادات ومعاملات وقول وعمل ونصح وصلة رحم لقول الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.....".
وكذلك في كل عمل تربوي من أمر أو نهي أو نصح أو ملاحظة أو عقوبة، فسوف يشعر الأبناء بهذا الإخلاص في تصرفاته، مع حرصه على توجيههم لهذا المعنى، وسوف يحاولون أن يخلصوا نياتهم وأعمالهم أيضًا.
قال الله عز وجل : (( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )) " " الكهف ، الآية : 110 "
فيكون ما يقوم به من أعمال في تربية النشء خالصة لوجه الله سبحانه ، بعيدة عن الرياء والسمعة ، فالتربية شأنها شأن سائر العبادات الشرعية ؛ فلذا لا بد من إحاطتها بسياج الضوابط الشرعية ، بعيداً عن كل ما فيه تجاوز لتلك السياج .
قال داود الطائي : رأيت الخير كله إنما يجمعه حسن النية ، وكفاك بها خيراً وإن لم تصب .
2- الأمانة:
وتشمل كل الأوامر والنواهي التي تضمنها الشرع في العبادات والمعاملات. ومن مظاهر الأمانة أن يكون المربي حريصاً على أداء العبادات، آمراً بها أولاده وطلابه، ملتزماً بالشرع في شكله الظاهر وفي الباطن، فيكون قدوة في بيته ومجتمعه، متحلياً بالأمانة، يسلكُ في حياته سلوكاً حسناً وخُلُقاً فاضلاً مع القريب والبعيد في كل حال وفي كل مكان؛لأن هذا الخُلُق منبعه الحرص على حمل الأمانة بمعناها الشامل. (الرفاعي، تيسير العلي القدير ،3/521).
قال تعالى:{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } (26) سورة القصص
3- الصدق:
وهو "التزام الحقيقة قولاً وعملاً"، والصادق بعيد عن الرياء في العبادات، والفسق في المعاملات، وإخلاف الوعد وشهادة الزور، وخيانة الأمانات
فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ:دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا، وَرَسُولُ اللهِ قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ:هَاكَ تَعَالَ فَأُعْطِيَكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ :" مَاذَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ ؟ " قَالَتْ:أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ :" أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كَذْبَةٌ " صحيح الجامع (1319)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ :عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا." صحيح مسلم- المكنز - (6805 )
ومن مظاهر الصدق ألا يكذب المربي على ولده مهما كان السبب، لأن المربي إذا كان صادقاً اقتدى به أولاده، وإن كان كاذباً ولو مرة واحدة أصبح عمله ونصحه هباء، وعليه الوفاء بالوعد الذي وعده للطفل، فإن لم يستطع فليعتذر إليه 0
وبعض الأطفال يتعلم الرياء بسبب المربي الذي يتظاهر أمام الناس بحال من الصلاح أو الخلق أو الغنى أو غيرها ثم يكون حاله خلاف ذلك بين أسرته 0( النحلاوي ،2004م ،ص173).
4- العلم:
العلمُ عُدَّةُ المربي في عملية التربية. فلابد أن يكون لديه قدر من العلم الشرعي، إضافة إلى فقه الواقع المعاصر.
والعلم الشرعي:هو علم الكتاب والسنّة، ولا يطلب من المربي سوى القدر الواجب على كل مكلف أن يتعلمه، وقد حدده العلماء بأنه "القدر الذي يتوقف عليه معرفة عبادة يريد فعلها، أو معاملة يريد القيام بها، فإنه في هذا الحال يجب أن يَعرف كيف يتعبد الله بهذه العبادة وكيف يقوم بهذه المعاملة".(ا بن عثيمين، كتاب العلم،،ص21.)
وإذا كان المربي جاهلاً بالشرع فإن أولاده ينشأون على البدع والخرافات، وقد يصل الأمر إلى الشرك الأكبر - عياذاً بالله -.
ولو نظر المتأمل في أحوال الناس لوجد أن جلَّ الأخطاء العَقَدية والتعبدية إنما ورثوها عن آبائهم وأمهاتهم، ويَظَلُّون عليها إلى أن يقيّض الله لهم من يعلمهم الخير ويربيهم عليه، كالعلماء والدعاة والإخوان الصالحين أو يموتون على جهلهم.
والمربي الجاهل بالشرع يحول بين أبنائه وبين الحق بجهله؛وقد يعاديه لمخالفته إياه، كمن يكره لولده كثرة النوافل أو ترك المعاصي أو الأمر بالمعروف أو طلب العلم أو غير ذلك.
ويحتاج المربي أن يتعلم أساليب التربية الإسلامية ويدرس عالم الطفولة، لأن لكل مرحلة قدرات واستعدادات نفسية وجسدية، وعلى حسب تلك القدرات يختار المربي وسائل زرع العقيدة والقيم وحماية الفطرة السليمة.( النحلاوي،2004م، ،ص175).
و يجب أن يلم المربي الناجح بالأحداث الجارية وأهم خصائص مجتمعه وأهدافه العليا.وأن يكون واعياً للمؤثرات والاتجاهات العالمية، وما تتركه في نفوس الجيل، من أثر على معتقداتهم، وأساليب تفكيرهم، فاهماً لمشكلات الحياة المعاصرة، وعلاج الإسلام لها..
- الحِلم:
وهذا من الصفات الأساسية التي تساعد المربي على إنجاح مهمته التربوية وهي عكس الغضب والعصبية التي تشتكي منها كثير من الأمهات.
فالحلم من أعظم الصفات النفسية والخلقية فبه ينجذب الأبناء نحو المربين ويستجيبون لأقوالهم ويستطيع فهم الأمور في حالة الهدوء، وليس معنى هذا أن الحلم والرفق يكون دائمًا حتى يؤدي إلى التدليل ولكن يكون بحكمة وأن يضبط نفسه دون الغضب الضار.
وهما من الصفات التي يحبهما الله ولهما تأثير تربوي كبير، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ:إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ:الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ.. صحيح مسلم- المكنز -(126 )
وهذه قصة لطيفة تبين أهم الحلم والأناة في بناء أخلاق الجيل الجديد:قال عبد الله بن طاهر:كنت عند المأمون يوماً، فنادى بالخادم:يا غلام، فلم يجبه أحد، ثم نادى ثانياً وصاح:يا غلام، فدخل غلام تركي وهو يقول:أما ينبغي للغلام أن يأكل ويشرب؟ كلما خرجنا من عندك تصيح:يا غلام، يا غلام، إلى كم يا غلام؟!.. فنكس المأمون رأسه طويلا - فما شككت في أن يأمرني بضرب عنقه - ثم نظر إليّ، فقال:يا عبد الله، إن الرجل إذا حسنتْ أخلاقه، ساءت أخلاق خدمه، وإنا لا نستطيع أن نسيء أخلاقنا لنحسن أخلاق خدمنا..!!. (السيد ،2005م،ص30))
وقد يكون من المصلحة في بعض الأحيان العقوبة أو الضرب مثلاً، فعليه ألا يتأخر في المعاقبة حتى ينصلح أمره ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ (البقرة: من الآية 269)، ولقد حدثنا الله تعالى عن كظم الغيظ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: من الآية 134 ، ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) (43 (الشورى
كذلك الرفق لحديث الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-:"إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله"، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه" رواه مسلم.
6-العدل:
وقد كان السلف خير أسوة في العدل بين أولادهم، حتى كانوا يستحبون التسوية بينهم في القُبَل، وعاتب النبي – – رجلاً أخذ الصبي وقبَّله ووضعه على حجره ولما جاءت بنته أجلسها إلى جانبه، فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ - - فَجَاءَ ابْنٌ لَهُ فَقَبَّلَهُ وَأَجْلَسَهُ عَلَى فَخِذِهِ، وَجَاءَتْهُ بَنِيَّةٌ لَهُ فَأَجْلَسَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - -:" أَلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمَا ".رَوَاهُ الْبَزَّارُ ". صحيح مسلم- المكنز - (4269)
والعدل مطلوبٌ في المعاملة والعقوبة والنفقة والهِبَة والملاعبة والقُبَل، ولا يجوز تمييز أحد الأولاد بعطاء لحديث النعَمان المشهور حيث أراد أبوه أن يهبه دون أخوته فعَنْ أَبِي حَرِيزٍ، أَنَّ عَامِرًا، حَدَّثَهُ أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، قَالَ:إِنَّ وَالِدِي بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ، أَتَى رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عَمْرَةَ بِنْتَ رَوَاحَةَ نُفِسَتْ بِغُلاَمٍ، وَإِنِّي سَمَّيْتُهُ نُعْمَانَ، وَإِنَّهَا أَبَتْ أَنْ تُرَبِّيَهُ حَتَّى جَعَلْتُ لَهُ حَدِيقَةً لِي أَفْضَلَ مَالِي هُوَ، وَإِنَّهَا قَالَتْ:أَشْهِدِ النَّبِيَّ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ :هَلْ لَكَ وَلَدٌ غَيْرَهُ ؟ قَالَ:نَعَمْ، قَالَ:لاَ تُشْهِدْنِي، إِلاَّ عَلَى عَدْلٍ، فَإِنِّي لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ. صحيح مسلم- المكنز - (4269)
إلا أن هناك أسباباً تبيح تمييز بعض الأولاد كاستخدام الحرمان من النفقة عقاباً، وإثابة المحسن بزيادة نفقته، أو أن يكون بعضهم محتاجاً لقلة ماله وكثرة عياله، ولا يعني العدل تطابق أساليب المعاملة، بل يتميز الصغير والطفل العاجز أو المريض، وذلك لحاجتهما إلى العناية. وكذلك الولد الذي يغيب عن الوالدين بعض أيام الأسبوع للدراسة أو العمل أو العلاج، ولابد أن يبيّن الوالدان لبقية الأولاد سبب تمييز المعاملة بلطف وإشفاق، وهذا التميز ليس بدرجة الكبيرة ولكن فرق يسير بين معاملة هؤلاء ومعاملة البقية، وهذا الفرق اليسير يتسامح الإخوة به ويتجاوزون عنه.
7- استشعار المسئولية:
وهي أن يستشعر المربي مسئوليته في تربية أبنائه في جميع الجوانب الإيمانية والخلقية والاجتماعية والصحية؛ وهذا يدفعه إلى مراقبة وملاحظة الابن وتوجيهه وتعويده- فإذا غفل عنه لحظة أن تساهل فربما يتدرج الابن إلى الفساد خطوةً خطوة ووقتها يندم الأب وتبكي الأم ولكن بعد ماذا؟
فعلى المربي أن يستشعر هذه المسئولية ويعلم أن الله سبحانه سيسألهم عنها يوم القيامة: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ( 24:الصافات
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ (طه: من الآية 132 - كذلك حثنا الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وقال: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" متفق عليه، "إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته".
فعلى المربي أن يتحمل هذه المسئولية وينهض بها على أكمل وجه وبعزيمة قوية، وأن الله سيغضب عليه إذا فرط وأن الحساب عسير يوم القيامة.
وعلى المربي أن ينتبه إلى مخططات الأعداء التي تستهدف الشباب والأسر المسلمة، ونكون على بينةٍ فلا نترك أبناءنا ينخدعون ويجرون وراء هذه المخططات المغرية ونسلحهم بتقوية علاقتهم بالله وبسيرة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم والصحابة الكرام.
8- الرحمة:
صفة من صفات المربي الناجح وهي من الوالدين لأبنائهما أخص، ورحمة الأولاد من أهم أسس نشأتهم ومقومات نموهم النفسي والاجتماعي نموا قويا سويا، فإذا فقد الأولاد المحبة نشئوا منحرفين في المجتمع لا يتعاونون مع أفراده ولا يندمجون في وسطه. عن أبي قَتَادَةَ:خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِىُّ - - وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِى الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ، فَصَلَّى فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا، وَإِذَا رَفَعَ رَفَعَهَا صحيح البخارى- المكنز - (5996 )
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَبَّلَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَالأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسٌ، فَقَالَ:الأَقْرَعُ:إِنَّ لِيَ عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا قَطُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ :مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ. صحيح البخارى- المكنز - (5997)
والمربي الذي ينقصه الحنان لا يصلح للتربية، الذي يغلب عليه التجهم، الذي يبخل بالابتسامة، الذي لا يمسح على رأس الطفل، الذي لا يعرف إلا العقاب، أما الثواب فلا حاجة به إليه، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللهِ :لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا. وأنه بذلك مخالف لرسول الله - - في مزاحه مع الصبيان، وتلطفه معهم.
9- الليونة والمرونة:
وهنا يجدر بنا فهم الليونة بمعناها الواسع، وهي:قدرة فهم الآخرين بشكل متكامل لا بمنظار ضيق؛وليس معناها الضعف والهوان، وإنما التيسير الذي أباحه الشرع، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - - « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ » سنن الترمذى- المكنز - (2676)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بمبدأ التيسير وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثما عَنْ عَائِشَةَ - ا - أَنَّهَا قَالَتْ مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ - - بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ - - لِنَفْسِهِ فِى شَىْءٍ قَطُّ، إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ بِهَا لِلَّهِ 00 صحيح البخارى- المكنز - (6126 )
وأيسر الأمرين يكون في الأمور المباحة والمشروعة، فيتخير المربي في تعامله مع أبنائه وطلابه أحسن الأساليب وأفضل الأوقات وأحسن الألفاظ والعبارات، وأرق التوجيهات ليصل إلى عقولهم بأقل جهد وأقصر طريق. (الشحود ، 2009 ، ص20- 30)
مواضيع مماثلة
» صفات المربي الناجح
» صفات المربي المسلم
» مشروع المربي المتخصص بدار الشباب
» صفات ومهارات وقدرات المتربي
» صفات المربي المسلم
» مشروع المربي المتخصص بدار الشباب
» صفات ومهارات وقدرات المتربي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى