تكافؤ الفرص التعليمية : المثال والواقع
صفحة 1 من اصل 1
تكافؤ الفرص التعليمية : المثال والواقع
إذا كان الناس شركاء فى ثلاثة: الماء والكلأ والنار، فإن المصريين يتشاركون فى شئ رابع: المعاناة من التعليم، وإن كانت أصوات الشرائح الفقيرة هى الآكثر خفوتا مع أنها نفس الشرائح الآكثر حرمانا من فرص التعليم.
يشدد مفكر تربوى وهو حامد عمار على أن ترسيخ مبدأ العدل الاجتماعى فى فرص التعليم وحق المواطن فيها يتقدم حزمة أهداف تعليم مجتمع الغد، ويقتضى تقديم هذا المبدأ على غيره من المبادئ فى حق التعلم، التى تتجاوز الامتيازات الفنوية أو مواقع للصفوة التى تمتلك مفاتيح الثروة والنفوذ.
ويرتبط بالهدف السابق تنمية مقومات الديمقراطية من خلال الممارسة التى ترسخ المشاركة فى صنع القرار، وتحمل مسئوليات تنفيذه، ومتابعته وتقويم، وهو ما يؤدى إلى تعزيز حقوق الإنسان الوطنى وتدعيم انتمائه لوطنه (1).
ويمكن النظر إلى قضية التعليم من منظور يرى ان معادلة المستقبل تتحدد بمحصلة ما يجرى داخل الفصول اليوم، وان تكوين القوى العاملة فى العقدين الأوليين من القرن المقبل، وملامحها، تتحدد داخل فصول التسعينيات فى 30 ألف مدرسة بامتداد الخارطة من الأسكندرية إلى أسوان، ويتم ذلك فى حزمة متغيرات متشابكة ومعقدة، اقليميا وقوميا ودوليا. وهو ما يعمق أزمة التعليم ويوسع من فضاء الجهد المبذول فى مواجهته.
يعترف تقرير التنمية البشرية فى مصر"الأخير بأن تأثير الإصلاح الاقتصادى على واقع الفقر وكثافته، وتأثيره على تجفيف العدالة فى الريف والحضر، وهو ما يعجل نجاح الجامعة فى الأجل الطويل رهنا بقدرتها على حماية أكثر شرائح المجتمع ضعفا. ويتساءل التقرير: إلى أى مدى يمكن اعتباره برنامج الإصلاح الاقصادى والتكيف الهيكلى مسئولا عن حدوث الفقر، وخاصة أن نسبة الفقر تزداد مع المضى فى برنامج الإصلاح الاقتصادى والتكيف الهيكلى (2).
والتعليم الذى نعنيه هو تعليم كل الفرد، وتعليم كل فرد، وهو تعليم منفتح على المجهول يستوعب التعريز الاجتماعى، يصنع المستقبل ويشكله، ويعبئ الطاقات، ويفرز القدرات وقوى الإبداع، ويرتفع فوق التمايز. ويشير بول كيندى إلى العناصر المشتركة بين الدول المستعدة للقرن الحادى والعشرين (اليابان - كوريا الجنوبية - بعض دول شرقى أسيا - ألمانيا - سويسرا، بعض الدول الاسكندنافية، والمجموعة الأوروبية عموما) هى معدلات ادخار عاليه ومستويات استثمار هائلة فى مصانع، ومعدات جديدة، ونظم تعليم ممتازة (وبخاصة للذين لايلتحقون بالجامعات)، وقوة عامله وماهرة، ونظم جديدة لإعادة التأهيل، وثقافة صناعيه يفوق فيها عدد المهندسين عدد المحامين (3).
فلنتفق أنه فى التعليم تكمن الأزمة والحل معا.
وثمة تخوف من غلبة النظرة الربحية والاتجاه السلعى على التعليم المصرى الراهن، ويعنى ذلك كما يلاحظ البعض "أن تصبح الخدمة التعليمية سلعة لا يحصل عليها إلا القادر على دفع ثمنها فى السوق، بصفة مباشرة فى حالة الحصول على مقابل للخدمة، وبصفة غير مباشرة بالنسبة للحصول على مستلزمات العملية التعليمية وكتب وأدوات مدرسية. وثالث الأمرين أن يسود نظام القيم السلعى العلاقة بين أطراف العملية التعليمية، فلا يقدم أى فهم شيئا للآخر إلا توقعا لمقابل نقدى، وهكذا تقوم العلاقة السلعية مقام العلاقة التربوية، ويصيب الاتجاه السلعى التعليم العام "(4) ويمكن ملاحظة أعراض الاتجاه السابق فى عدة مظاهر منها: التقلص النسبى للإنفاق الحقيقى على التعليم، والاتجاه نحو الزيادة المستمرة فى المصاريف التى يتحملها المستفيدون من خدمة التعليم، وسيادة ظاهرة الدروس الخصوصية التى نسفت مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية ووصلت فى حجمها إلى حجم الإنفاق على التعليم من الموازنة العامة (يقدرها البعض بنحو 10مليار جنيه سنويا)، وتضخم دور القطاع دور القطاع الخاص فى التعليم، وتدنى أجور ومستويات معيشة المعلم.
افتراضات مبدئية:
تتبنى المداخلة الحالية مجموعة من الافتراضات الحالية التى تعد موجهات فى التحليل الحالى: أولأ: ان التعليم منحاز بالضرورة إلى مصالح القوة والشرائح المهيمنة اجتماعيا، وهو يقوم بذلك من خلال وظيفة إعادة الإنتاج Reproduction للحفاظ على مصالح وثقافة تلك القوى والشرائح.
ثانيا: ان التعليم المصرى مرأة للأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية الراهنة.
ثالثا: ان مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية هو التعبير العملى عن العدالة الاجتماعية فى مجال التعليم، وهى تعبر عن ديمقراطية التعليم، وبالتالى عن العدالة الاجتماعية.
فى تحديد المصطلح: تكافؤ الفرص التعليمية:
يمكن القول أن ديمقراطية التعليم هى بمثابة الحلقة المركزية التى يتسنى بواسطتها الكشف عن طبيعة العلاقة بين نظام التعليم والنظام الاقتصادى والاجتماعى السياسى.
وتتعدد الاتجاهات التى تكشف عن العلاقة بين الديمقراطية الاجتماعية وديمقراطية التعليم:
1- اتجاه يرى ان التعليم ينتج باستمرار علاقات اجتماعية جديدة أكثر ديمقراطية (التعليم حيادى تنافسى حسب النظرة الوظيفية).
2- اتجاه يستبعد وجود أى شكل ديمقراطى فى المجتمعات الرأسمالية، بسبب اسهام التعليم فى إعادة إنتاج علاقات الإنتاج القائمة (بورديود باسروم، بورأيواستيلات).
3- اتجاه ثالث يؤكد على أهمية النضال من أجل تحقيق المزيد من الاصلاحات الديمقراطية والتعليم (كومزوباولوفريرى)، وخاصة إقرار إلزامية التعليم وتحقيقها، وتحقيق مجانيته، وتوحيد البنية التنظيمية للتعليم، مع الاهتمام بتنويع الدراسة فى المرحلة الاعدادية والثانوية ضمن إطار الوحدة ويجمع موقفنا بين الاتجاهين الثانى والثالث.
إذا كان البعض يضع مقومات رئيسية لمفهوم ديمقراطية التعليم تشمل: التعليم العصرى الذى يخاطب كل فئات البشر، وتنفيذ الأهداف والسياسات التعليمية ووضع تشريعات وضمانات تنفيذها، والانطلاق من مبدأ التعليم اذكاء الشخصية وتحريرها للتعليم من قالبه التقليدى الجامد، والانطلاق من مبدأ التعليم للإبداع للحياة والعمل، فاننا نعنى بمفهوم تكافؤ الفرص التعليمية إتاحة التعليم لكل قادر عليه، تذليل الصعاب التى تعترض عملية التعليم سواء أكانت مادية أو معنوية، ومعيار هذا المفهوم التمثيل النسبى للفئات الاجتماعية داخل مراحل التعليم المختلفة، كما ان جوانب تكافؤ الفرص التعليمية (والمرتبطة بما ينص عليه الدستور المصرى فى مادته الثامنة بأن الدولة تكفل تكافؤ الفرص التعليمية لجميع المواطنين) وتتحدد بإزالة العقبات المادية التى تحول بين الفرد والتعليم، وتوفير أفضل الظروف الميسرة للتعليم، وقيام العملية التعليمية على أساس من مشاركة كل الظروف المعنية بها، كما يفسر فى تحليل أخر بتقديم تعليم إلزامى لكل الأطفال حتى سن معينة، وتقدم بمنهج موحد للجميع، وإتاحة فرصة التعليم للجميع بصرف النظر عن خلفياتهم الاجتماعية ونوعيتهم وعقيدتهم وتحقيق المساواة بين مختلف المناطق والبينات المحلية (6).
وثمة اتفاق على أن تكافؤ الفرص التعليمية لم تحقق المساواة المنشودة فى الفضاء الإنسانى، ولم تقترب منها، بالرغم من قداستها اليوتوبية منذ "جمهورية أفلاطون" وتبشيره بالمساواة التعليمية، ومرورا بجان جاك وروسو، ووصولا إلى ربط المساراة التعليمية بمبدأ - غوق الإنسان فى الوقت الراهن، وبينما تجهض النخبة مفهوم تكافؤ الفرص التعليمية، وتبتعد الممارسة المتميزة للشرائح المهنية اجتماعيا فتحوله إلى لامساواة، ففى الأدبيات المصرية تلاحظ مديحة الصفطى فى بداية الثمانينيات ان التعليم يمثل تصفية اجتماعية بالدرجة الأولى لأنه لا يعتبر نظاما تربريا فقط بقدر ماهو نظام اجتماعى، وأنه يعكس التقسيم الطبقى للمجتمع العربى، وتقتصر كليات القمة الطب- الهندسة على أبناء طبقة واحدة مما يهدم مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية ويؤدى إلى وجود نوع من التوارث فى مهنتى الطب والهندسة (7)، ووصولا إلى منتصف التسعينيات فى دراسة دينا جمال الدين ترى أن هناك نوعا من الاستثمار بنوعيات خاصة من التعليم للأفراد الذين ينتمون إلى مستويات عالية مثل طلاب أقسام اللغات والجامعة الأمريكية والصيدلة وذلك فى دراستها التى أجرتها على طلاب الجامعة الأمريكية والصيدلة والاقتصاد والعلوم السياسية والآداب والتربية للكشف عن دور التعليم فى التمايز الاجتماعى (.
ويرصد مسعود ضاهر أوجه المفارقة الساخرة. فقد أقمنا فى كل البلاد العربية أنظمة تعليمية عظيمة ومكلفة، ولكننا جعلناها عربيا لفئة اجتماعية تستخدمها من أجل تحسين اوضاعها بالمقارنة مع جماعة شعبية بقيت فى غالبيتها العظمى أمية. وقدمنا للمتعلمين معلومات مفككه ومنقطعة عن مواقع فى الحكم أو المعارضة، فى الوقت الذى حرمنا فيه المتعلمين من كل وسيلة أو فرصة للتفكير الجدى بالواقع السياسى والاجتماعى، فلم يعد نظاما لانتاج العلم وتطوير المعرفة بل أصبح وسيلة لتحقيق الصعود الفردى والجماعى (9).
هل نصل إلى الحكم لأن المدرسة هى المؤسسة الاجتماعية المتخصصة فى إنتاج علاقة التفاوت واللامساواة اجتماعيا، وأن أليات التعليم تحقق هذا الفرز بحيث تقوم بعملية الاستبعاد والانتقاء بشكل مرحلى مستمر؟
وتعمل المدرسة بوصفها أداة تصفية اجتماعية انتقائية، حيث تظهر عوامل اللامساواة فى أربع عمليات نقضية رئيسية تلعب الخلفية الاجتماعية دورا مهما فيها:
1- عدم المساواة فى الفرص المتاحة للالتحاق بالتعليم.
2- عدم المساواة فى متابعة التعليم (ظواهر الرسوب والتسرب والتخرج)
3- عدم المساواة فى الناتج التعليمى (امتحانات واختبارات)
4- عدم المساواة فى الناتج النهانى للتعليم (فرص التوظف بعد إكمال التعليم الرسمى) وتعمل المدارس من خلال الآليات الأربع السابقة كأداته لتصفية اجتماعية انتقائية (10).
يؤكد نظام التعليم من خلال مبدأ الجدارة إعادة إنتاج اللامساواة من خلال تبرير الامتيازات اللوم وإلقاء اللوم على الفرد فى فشله وفقره ويتفق بواردييه وباسرون مع بولز وجنتس فى رأيهما على أهمية المدرسة والتى تكمن وظيفتها كأداة للمحافظة على التركيبة الاجتماعية والابقاء عليها. وهكذا يمكن أن نقول بوجود تناظر بين المدرسة والمجتمع فيستخدم التعليم لإعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية والاقتصادية عن طريق عمله كجزء من الجهاز الأيديولوجى للدولة (11).
وينفى سمير أمين عن النظام التعليمى الواقع فى إطار مجتمع الاختلال الطبقى تحقيقه لتكافؤ الفرص على اعتبار ان النظام الديمقراطى الذى يتيح نظريا أقصى درجة ممكنة من درجات تكافؤ الفرص، فيما يتعلق بامكانية العمل لكافة الأفراد، يضمن كذلك عن طريق الامتحان وتعميم الفرص، الدراسية درجات رحبة للحراك الاجتماعى، وعلى أن ذلك سيواجه بتأثير ديمقراطى محدود بتقسيم المجتمع إلى طبقات تتصف بعدم التكافؤ فى الثقافة والمعرفة او فيما يتلقاه الصغار من تعليم خارج المدرسة (13).
ان شعارات مثل (التعليم للجميع) وديمقراطية التعليم والمساواة التعليمية تظل أهدافا معينة فى سياسة التعليم فى معظم أقطار العالم تفرغها الممارسات الواقعية من مضمونها.
وبنظرة سريعة على بعض الظواهر التعليمية فى الواقع المصرى تدلل على حجم الثغرات فى حقل التعليم والتى مثلت خروقات متناثرة ومنها: الجامعات الخاصة، الدراسة باللغات . الأجنبية فى كليات التجارة بالجامعات الرسمية الجامعة الأمريكية، فروع الجامعة الأجنبية فى مصر، ظاهرة الدروس الخصوصية، الإزدواجية فى مرحلة التعليم الأساسى (مدارس لغات - مدارس خاصة مدارس تجريبية مدارس حكومية مدارس عسكرية - مدارس أزهرية)، ومدى التفاوت الواسع بينها، حجم ظاهرة الأمية المتسع.
ويرصد الفكلاوى الاختلالات التعليمية الراهنة فى المجتمع المصرى فى الأوجه التالية:
1- فتور الدافعية نحو التعليم لدى قطاعات المجتمع.
2- استمرار حالات النقد للهيكل التعليمى برمته من منطلق صحوة جديدة لممارسة متكاملة وعملية الاتجاه نحو تجديده.
3- تعميق التخلف والفئوية والتمايز الذى يفقد التعليم غايته الأساسية وهى إيجاد المجتمع المتعلم المتماسك ثقافيا.
4- إعاقة حركة التنمية وبرامجها استنادا إلى تدنى فاعلية مخرجات العملية التعليمية وضعف الصلة بينها وبين مطالب المجتمع وحاجياته (14).
ويبدو أن البعض أكثر واقعية عندما يستبدل مصطلح تكافؤ الفرص التعليمية ln Equality بمصطلح التمايز الاجتماعى " SOCIAL DIFFERENTATIONأو مصطلح الاجتماعى - SO Cial Diffrentiation وخاصة فى الآقطار النامية (15) .
اختلال تكافؤ الفرص التعليمية فى الواقع المصرى:
ما أبعاد الفجوة بين النص والواقع؟.. وما مدى تباعد المساواة التعليمية وتكافؤ الفرص التعليمية عن الشعار والخطاب الفكرى السياسى؟
يتبنى البعض اربع قضايا للكشف عن مدى نجاح أو فشل النظام التعليمى فى توفير الحد الأدنى من العدالة التعليمية وهى: نسبة الأمية الأبجدية، والاستيعاب (التمدرس)، والتسرب، والرسوب (16).
بينما يقيس حامد عمار الانجاز التعليمى وارتباطها بالعدالة الاجتماعية من خلال مؤشرات إحصانية شبيهة وهى: نسبة الأمية، ومعدل التسجيل (القيد)، ومعدلات الالتحاق، ومعدلات التسرب، ومعدلات الالتحاق للإناث، ومعدل التدفق، ومعدلات المعلمين، ومعدلات الإنفاق على التعليم، ومعدلات الحرمان من التعليم، ومستويات الحالة التعليمية فى القوى العاملة (15- 64 سنة) (17).
وتشير دراسة أمانى الحدينى مع أدبيات أخرى إلى أنه مع تحمل الفقراء لتكاليف سياسات الإصلاح الاقتصادى، فإن هدف تخفيض عجز الموازنة يتضمن تخفيض النفقات من 51% من الناتج المحلى إلى 44% فى منتصف التسعينات مما يؤدى لتخفيض محتمل لحجم التمويل الموجه للتعليم الرسمى وتخفيض كمية التعليم وانخفاض نوعيته. ولا شك أن الفنات الفقيرة سواء فى الحضر أو الريف أكثر الفئات تأثرا بهذه الآثار السلبية سواء فى طلب أو عرض التعليم، مما يجعلها تتأثر بتخفيض حجم التعليم أو غرضه وبالتالى فى الحصول على فرص العمل مما يجمد عملية الحراك الاجتماعى ذاته أمام هذه الفئات (18).
ويمكن من قراءة البيانات السابقة استخلاص النتائج التالية:
1- ضخامة نسبة الأمية فى المجتمع المصرى، رغم الجهود المبذولة، ويعزز هذه الظاهرة تضخم نسب الهدر التعليمى، وخاصة التسرب التى تعيد إنتاج غول الأمية وتعمل على استفحاله، وتسهم أعداد المتسربين وغير الملزمين فى ظاهرة عمالة الأطفال التى قدرت فى بداية التسعينيات بحوالى 2,8 مليون طفل فى الفئة العمرية للإبتدائى والإعدادى والثانوى، نصفهم من محافظات الوجه القبلى.
2- بالنسبة للفجوة الجنسية لايزال خط الإناث من التعليم دون المستوى المأمول، حيث تنخفض نسبتهم فى التعليم كله إلى 39%، وهو ما يعزز ظاهرة أخرى هى انخفاض معدل معرفة القراءة والكتابة (أو 36% للإناث) فى حين ترتفع هذه النسبة إلى (61،8%) الذكور، وهو ما يعزى إلى التقاليد الثقافية بشكل أساسى.
ارتباط المستوى الاقتصادى الاجتماعى بالحظوظ التعليمية، وسياسات التكيف الهيكلى خلال السنوات الخمس الماضية، حيث يرصد تقرير البنك الدولى مصر: تخفيف حدة الفقر خلال التكيف الهيكلى 1991تأثر الفقراء بالتغير الحادث نتيجة لتطبيق سياسات التكيف الهيكلى، ووجود علاقة ارتباط قوية ما بين الفقر والمستويات المنخفضة من التعليم، ومن ناحية أخرى، يرصد التقرير نمو معدل الالتحاق السنوى بمعدل 5,1%للابتدائى مقابل 9,1% للثانوى، وكذلك ارتفاع نسب الأميين إلى 61,2% من سكان الريف مقابل 35,3% من الأميين سكان الحضر، وهم ينتسبون إلى الفئات الأشد فقرا (تبلع نسبتهم 37% من سكان الريف، 35,3% من سكان الحضر) (19).
ويفسر تقرير التنمية البشرية فى مصر الأخير (1996) العلاقة بين الفقر والتعليم، فالتعليم عنصر مهم فى التأثير على الفقراء باعتبار ارتباطه القوى بالمهنة ومستويات الدخل. وهو أيضا مؤتمر لمدى قدرة الأسر على إشباع حاجاتها الأساسية. وتبين مؤشرات الفقر من حيث علاقتها بالحالة التعليمية لأرباب الأسر فى كل المناطق الحضرية الريفية. إن هناك علاقة ارتباط عكسية بين مقاييس الفقر ومستويات التعليم، وإن أعلى مؤشرات الفقر تخص الأسر التى يكون أربابها أميين (42% فى الحضر، 38% فى الريف). فدور التعليم واضح فى الحصول على دخل كان أكثر أهمية فى الحضر عنه فى الريف، وهو يسهم بذلك فى أبعاد الفقر.
كما تتبدى العلاقة بين التعليم والفقر والعدالة الاجتماعية فى أن استهلاك الفقراء يقل فى ظل أوضاع الفقر، وخاصة أبق استهلاك الطعام يستهلك أغلب دخلهم. ويوجد اختلاف ملحوظ يين الفقراء وعير الفقراء فيما يتعلق بإنفاقهم على التعليم (3,9% من ميزانيه الأسرة الفقيرة يرتفع 4,6% من مساهمات الأسرة غير الفقيرة) (20).
وتتبدى المفارقة واضحة بين أن زيادة نصيب إنفاق الدولة على التعليم من الناتج المحلى الاجمالى لا يقابله زيادة نصيب الفقراء من هذه الزيادة، مما يعنى أن الشرائح الوسطى هى المستفيدة الأولى من هذه الزيادة. ومع زيادة نسبة الانفاق على التعليم إلى الناتج القومى الاجمالى من 3,5% فى نهاية الثمانينيات إلى 5,5% فى نهالة التسعينيات، فلا تزال هذه الزيادة فى الإنفاق على التعليم منخفضة نسبيأ(21).
كما تتبدى العلاقة ما بين الفقر وانخفاض مستويات التعليم فى ظاهرة أخرى هى التسرب، والذى تبلغ نسبته 10-15%من بين السكان الآكثر فقرا فى الأعوام (1984- 1988)، كما ان هذا الارتباط يتمثل فى علاقة أخرى هى المخرجات، حيث يحصل 80% من الطلاب من أبناء الاسر الفقيرة بالريف على درجات منخفضة فى امتحان شهادة الثانوية العامة، مقابل 50% من أبناء الأسر الفنية يحصلون على درجات مرتفعة (تعزيز عامل الدروس الخصوصية) ويتبدى تأثير التباين الاجتماعى الواسع فى مستويات المعيشة على حظوظ ابنائهم، فقد وجد أن نسبة أبناء رجال الأعمال الذين يلتحقون بالمرحلة الثانوية (33,5%)، وبمرحلة التعليم العالى (30,5%) بينما لاتتجاوزنسبة أبناء العمال اليدويين (2,8%) فيمن يلتحقون بالتعليم الثانوى (1,4%) فيمن يلتحقون بالتعليم العالى فضلا عن تركز أعلى نسبة للتسرب خلال الثمانينيات بين الأسر الريفية حيث تصل هذه النسبة إلى (45,6%) تليها نسبة التسرب بين أبناء العمال (32,6%) ثم أبناء الموظفين (6,7%)فأبناء التجار (3,4%)ولايوجد تسرب واحد بين أبناء ذوى الدخل المرتفع (22).
وترصد التحليلات ظاهرة مفارقة، وهى تحيز سياسات التعليم لغير صالح الفقراء سواء فى حجم التعليم أو نوعيته أو حتى فى نمط توزيع النفقات، فهو منحاز لصالح الحضر على حساب الريف، وفى صالح التعليم العالى على حساب التعليم الأساسى.
وتتفق أرقام ملاحظات تقرير البنك الدولى مع دراسة مصرية لحامد عمار خلص فيها إلى أن التعليم الأساسى تعليم للفقراء، فبإستثناء نسبة 5% من جملة المقيدين فى مرحلة التعليم الاساسى ملتحقين بالتعليم الخاص الذى يتقاضى مصروفات باهظة بالنسبة لقدرات الغالبية العظمى من الأسر المصرية من أبناء المتوسطين والأغنياء، يبقى حوالى 95% من السكان من المقيدين بالمدارس الرسمية وهم ينتمون إلى حوالى 82% من السكان الفقراء ومحدودى الدخل ومتوسطى الدخل، وهؤلاء هم الذين ينتفعون مما يتاح من فرص التعليم الرسمى الأساسى، وينتمى إلى هؤلاء غالبية المتسربين والراسبين. ويدعم ذلك الحكم بأن التعليم الأساسى تغلب عليه سمات الفقر والذى نجده فى ثقافة الفصول التى تصل فى المتوسط إلى 45 طفلا، وقد تصل إلى 60 فى بعض المدارس إلى جانب تعدد الفترات الدراسية فى بعضها الآخر (23).
فإن حكمنا على التعليم الأساسى الرسمى بأنه تعليم للفقراء ليس مبالغا. وبالمثل يمكن الذهاب إلى أن التعليم الفنى مستودع لأبناء المستويات الاقتصادية والاجتماعية الأدنى لفئات السكان، ويرافق ذلك انخفاض معدل الكلفة الفعلية لخريجيه، ومصدر لجيش من المتعطلين، وربما ظهرت مشكلات أخرى للتعليم تظهر بدرجة أكبر من خلال ظواهر يعانى منها التعليم المصرى، وربما كان أهمها ظاهرة الدروس الخصوصية والتعليم الخاص والأجنبى، والجامعات الخاصة.
وهو ما يطرح أسئلة ومخاوف حقيقية على مستقبل مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية وديمقراطية التعليم، وخاصة فى ضوء حركة السحب والتفريغ التى ستمارسه على الجامعات الحكومية.
ويبقى - وهو الأهم - أن هذه الظاهرة تنسف مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية من الأساس، حيث تقدم الخدمة التعليمية لمن يملك وليس لصاحب الجدارة العلمية وهو اتجاه يتسع فى المجتمع المصرى خلال العقد الأخير.
فهل نحن إزاء "اغلب" تعليمية تجارية تكرس ظاهرة التقسيم الاجتماعى بالفعل.. وتعزز ظاهرة الخلاص الفردى والحلول الفردية للأقلية وسط مشكلات مجتمعية عامة؟ آفاق المستقبل: فى نهاية كتاب الباحثة الأمريكية جوديث كونكران عن "التربية فى مصر". تشير إلى حقيقة خاصة حول ارتباط مستقبل التعليم فى مصر بمدى تحقق تكافؤ الفرص التعليمية ودعم تعليم أبناء الطبقات الفقيرة فى هذا التعليم، فتقول:"سوف يحدد تعليم الفقراء استقراز البلاد فى المستقبل"، ولابد أن يقوم بإمد ادهم بالأمان والاعتزاز بتراثهم، والثقة بجدوى مهارتهم فى مواجهة المستقبل. إن صراعات مصر لم تنته ولا تلوح فى الأفق حلول لهذه الصراعات، ولكن عندما يبدأ حل الخلافات الثقافية، سوف يشعر المصرى المتعلم بالأمان ويحيا حياة طبيعية فى مجتمعه (24).
ويبدو الوضع داعيا إلى التشاؤم، صحيح أن التعليم المصرى وخاصة الابتدائى قد حقق نجاحات منذ بداية التسعينيات، وخاصة فى مجال زيادة الإنفاق الجارى للتعليم، وزيادة معدل الاستيعاب نسبيا، وتطوير المناهج، وبناء وتجديد المدارس، إلا أن هذه النجاحات "لا يجب أن تصرف انتباهنا عن الشرط الحقيقى لتحقيق ديمقراطيه تعليمية حقيقية وهو الإصلاح الاجتماعى، وتحسين العدالة الاجتماعية الواسعة من خلال تبنى سياسات اجتماعية منحازة للاغلبية، وإعادة توزيع الدخل القومى بين السكان بشكل أكثر عدالة، وتدعيم مستوى معيشة الفقراء ومحدودى الدخل، ومكافحة الفساد، والعدالة الضريبية وتحقيق نجاحات فى التنمية البشرية فى ظل واقع يتسم ببشاعة الشروط المادية للعملية التعليمية (تباطؤ معدل النمو الاقتصادى، واتساع نسب البطالة، وتصاعد معدلات التضخم)، وازدياد الفجوة بين أطراف الهرم الاجتماعى واتساع دائرة الفقر، وطغيان قوى السوق مما أفرز اتساع ظاهرة الفقر، وتراجع الوزن النسبى للانفاق الحقيقى على التعليم، وانتشار التعليم السلعى.
وثمة جراحات صعبة لايزال على السياسة التعليمية أن تقدم عليها (25)، ومنها الوصول إلى استيعاب كامل أو إنقاص نسب التسرب إلى أقل من 2% وكذلك الحاجة إلى أرتفاع النسبة المخصصة للإنفاق على التعليم من 10 إلى 15 %من جملة الإنفاق العام، ولايزال متوسط سنوات التمدرس فى مصر ثلاث سنوات، فى حين تبلغ أكثر من 10 سنين فى بعض الدول الأوروبية. وتبقى مشكلات ضعف إعداد المعلمين، والحاجة إلى استمرار تدريبهم، ومعالجة ظاهرة التسرب والرسوب، وتطوير الامتحانات ومد فترة التعليم الإلزامى إلى 12 سنة، ومواجهة مشكلة الدروس الخصوصية التى قلصت واقعية ظاهرة مجانية التعليم (26).
كما تظل مشكلة الأمية تمثل تحديا كبيرا أمام أى نجهود تنموية، ولم تترجم حتى الآن جهود المواجهة من اعتبار هذه المشكلة قضية قومية، حيث يمكن للجهود الأهلية وتنظيمات المجتمع المدنى أن تقوم بجهد كبير فى تقليصها.
إن إضفاء المضمون العقلانى والمستقبلى على التعليم المصرى، خطابأ وسياسة، مسألة أساسية ليسهم التعليم بدوره الفعال فى العبور إلى مستقبل أفضل، وليستقطب نصيبأ أكبر من الإنفاق والوعى والجهد فى ظل أجندة الأولويات المصرية، يعززه تبنى رؤية اجتماعية أكثر عدالة، وهذه هى الضمانة الحقيقية لإضفاء الطابع الديمقراطى على التعليم المصرى.
الهوامش:
1- حامد عمار، فى التنمية البشرية وتعليم المستقبل، القاهرة: الدار العربية للكتاب، 1999، ص 116.
2- معهد التخطيط القومى، تقرير التنمية البشرية فى مصر، القاهرة 1996.
3- بول كيندى، الاستعداد للقرن الحادى والعشرين، ترجمة محمد عبد القادر وغازى مسعود، عمان: دار الشروق،
1983، ص 409.
4- محمد دويدار، الدلالة الثقافية للنظام التعليمى فى مصر، مجلة سطور، ع (7)، القاهرة، يونيو 1997.
5- أحمد النكلاوى، علم الاجتماع دراسه لمشكلات المجتمع المصرى.، القاهرة: دار الثقافة العربية، القاهرة،
1992، ص 282.
6- محسن خضر، تكافؤ الفرص فى التعليم ماقبل الجامعى فى مصر خلال التسعينيات، حجلة (التربية والتنمية)،
القاهرة، 1997.
7- مديحة محمد الصفطى، التعليم والحراك المهنى الاجتماعى، رسالة دكتوراه غير فنشوره، كلية الآداب، جامعة
عين شمس، القاهرة، 1980، ص 389.
8- دينا إبراهيم جمال الدين، دور التعليم العالى فى التمايز الاجتماعى فى مصر، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية
التربية جامعة عين شمس، القاهرة، 1995، ص 190.
9- برهان غليون، اغتيال العقل، القاهرة: مكتبة مدبولى، 1990، ص 322.
10- shciefelbein Ernosto, and Josoph p.farrell, Eight year of their lives through schooling to the labour market in chile.Qtlawa, the International Development center, 1982,p.11
11-jenks,c,In Equality A Reassessment of the Eeffect of family and schooling in American, Basic Book, Inc, New York.1972,p.120.
12- عبد السميع سيد احمد، "دراسات فى علم الاجتماع التربوى، الأسكندرية، دار المعرفية الجامعية، 1993،
ص 98.
وكذلك: محسن خضر، التعليم العربى بين القهر الإجتماعى وتزييف الوعى، مجلة الوحدة، ع (72)، الرباط: المجلس
القومى للثقافة العربية، 1990.
راجع: اراء بورديو وباسرون فى.
Bourdoieu, pierre and passeronm jean cldus, Reproduction in Education, lon don and Beverly Hills,sage pub,1977
13- سمير امين، محو الأمية التعليم الشعبى من اجل التنمية، ترجمة كمال نجيب، مجلة التربية المعاصرة، رابطة
التربية الحديثة، ع (7)، القاهرة، سبتمبر 1987
14- احمد النكلاوى، علم الاجتماع ودراسة لمشكلات المجتمع المصرى، مرجع سابق، ص 318.
15- تورستين حسين، التعليم العالى والتمايز الاجتماعى، ترجمة محمد أحمد الرشيد، المعهد الدولى للتخطيط
التربوى، الرياض، 1988، ص 13.
16- شبل بدران، التعليم والديمقراطية، مجلة القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ع 178، القاهرة، سبتمبر
وأكتوبر 1997.
17- حامد عمار، فى التوظيف الاجتماعى للتعليم، القاهرة " مكتبة الدار العربية للكتاب، 1997، ص ص 72- 87.
18- أمانى الحدينى، المهمشون والسياسة فى مصر، القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام،
1999، ص 82.
19- برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، تقرير التنمية البشرية لعام 1995، القاهرة: دار العالم العربى للطباعة، 1995.
20- معهد التخطيط القومى، تقرير التنمية البشرية فى مصر، مرجع سابق، ص 34.
21- المرجع السابق، ص 6.
22- محمد نعمان نوفل، بعض الآثار المتوقعة لسياسات التكيف الهيكلى على التعليم، المجلة المصرية للتنمية
والتخطيط، معهد التخطيط القومى، يونيو 1995.
23- حامد عمار، احوال الإنسان فى ربوع مصر ومؤشراتها فى مطلع التسعينيات، القاهرة رابطة التربية الحديثة،
24- جوديث كونكران، التربية فى مصر، ترجمة احمد شفيق الخطيب، القاهرة: د. ت، 1989، ص 14.
25- محمد دويدار، الدلالة الثقافية للنظام التعليمى فى مصر، مرجع سابق.
26- محسن خضر، التعليم فى مصر الحاضر وافاق المستقبل، محاضرة أمام وفد اساتذة الجامعة الأمريكية،
يشدد مفكر تربوى وهو حامد عمار على أن ترسيخ مبدأ العدل الاجتماعى فى فرص التعليم وحق المواطن فيها يتقدم حزمة أهداف تعليم مجتمع الغد، ويقتضى تقديم هذا المبدأ على غيره من المبادئ فى حق التعلم، التى تتجاوز الامتيازات الفنوية أو مواقع للصفوة التى تمتلك مفاتيح الثروة والنفوذ.
ويرتبط بالهدف السابق تنمية مقومات الديمقراطية من خلال الممارسة التى ترسخ المشاركة فى صنع القرار، وتحمل مسئوليات تنفيذه، ومتابعته وتقويم، وهو ما يؤدى إلى تعزيز حقوق الإنسان الوطنى وتدعيم انتمائه لوطنه (1).
ويمكن النظر إلى قضية التعليم من منظور يرى ان معادلة المستقبل تتحدد بمحصلة ما يجرى داخل الفصول اليوم، وان تكوين القوى العاملة فى العقدين الأوليين من القرن المقبل، وملامحها، تتحدد داخل فصول التسعينيات فى 30 ألف مدرسة بامتداد الخارطة من الأسكندرية إلى أسوان، ويتم ذلك فى حزمة متغيرات متشابكة ومعقدة، اقليميا وقوميا ودوليا. وهو ما يعمق أزمة التعليم ويوسع من فضاء الجهد المبذول فى مواجهته.
يعترف تقرير التنمية البشرية فى مصر"الأخير بأن تأثير الإصلاح الاقتصادى على واقع الفقر وكثافته، وتأثيره على تجفيف العدالة فى الريف والحضر، وهو ما يعجل نجاح الجامعة فى الأجل الطويل رهنا بقدرتها على حماية أكثر شرائح المجتمع ضعفا. ويتساءل التقرير: إلى أى مدى يمكن اعتباره برنامج الإصلاح الاقصادى والتكيف الهيكلى مسئولا عن حدوث الفقر، وخاصة أن نسبة الفقر تزداد مع المضى فى برنامج الإصلاح الاقتصادى والتكيف الهيكلى (2).
والتعليم الذى نعنيه هو تعليم كل الفرد، وتعليم كل فرد، وهو تعليم منفتح على المجهول يستوعب التعريز الاجتماعى، يصنع المستقبل ويشكله، ويعبئ الطاقات، ويفرز القدرات وقوى الإبداع، ويرتفع فوق التمايز. ويشير بول كيندى إلى العناصر المشتركة بين الدول المستعدة للقرن الحادى والعشرين (اليابان - كوريا الجنوبية - بعض دول شرقى أسيا - ألمانيا - سويسرا، بعض الدول الاسكندنافية، والمجموعة الأوروبية عموما) هى معدلات ادخار عاليه ومستويات استثمار هائلة فى مصانع، ومعدات جديدة، ونظم تعليم ممتازة (وبخاصة للذين لايلتحقون بالجامعات)، وقوة عامله وماهرة، ونظم جديدة لإعادة التأهيل، وثقافة صناعيه يفوق فيها عدد المهندسين عدد المحامين (3).
فلنتفق أنه فى التعليم تكمن الأزمة والحل معا.
وثمة تخوف من غلبة النظرة الربحية والاتجاه السلعى على التعليم المصرى الراهن، ويعنى ذلك كما يلاحظ البعض "أن تصبح الخدمة التعليمية سلعة لا يحصل عليها إلا القادر على دفع ثمنها فى السوق، بصفة مباشرة فى حالة الحصول على مقابل للخدمة، وبصفة غير مباشرة بالنسبة للحصول على مستلزمات العملية التعليمية وكتب وأدوات مدرسية. وثالث الأمرين أن يسود نظام القيم السلعى العلاقة بين أطراف العملية التعليمية، فلا يقدم أى فهم شيئا للآخر إلا توقعا لمقابل نقدى، وهكذا تقوم العلاقة السلعية مقام العلاقة التربوية، ويصيب الاتجاه السلعى التعليم العام "(4) ويمكن ملاحظة أعراض الاتجاه السابق فى عدة مظاهر منها: التقلص النسبى للإنفاق الحقيقى على التعليم، والاتجاه نحو الزيادة المستمرة فى المصاريف التى يتحملها المستفيدون من خدمة التعليم، وسيادة ظاهرة الدروس الخصوصية التى نسفت مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية ووصلت فى حجمها إلى حجم الإنفاق على التعليم من الموازنة العامة (يقدرها البعض بنحو 10مليار جنيه سنويا)، وتضخم دور القطاع دور القطاع الخاص فى التعليم، وتدنى أجور ومستويات معيشة المعلم.
افتراضات مبدئية:
تتبنى المداخلة الحالية مجموعة من الافتراضات الحالية التى تعد موجهات فى التحليل الحالى: أولأ: ان التعليم منحاز بالضرورة إلى مصالح القوة والشرائح المهيمنة اجتماعيا، وهو يقوم بذلك من خلال وظيفة إعادة الإنتاج Reproduction للحفاظ على مصالح وثقافة تلك القوى والشرائح.
ثانيا: ان التعليم المصرى مرأة للأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية الراهنة.
ثالثا: ان مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية هو التعبير العملى عن العدالة الاجتماعية فى مجال التعليم، وهى تعبر عن ديمقراطية التعليم، وبالتالى عن العدالة الاجتماعية.
فى تحديد المصطلح: تكافؤ الفرص التعليمية:
يمكن القول أن ديمقراطية التعليم هى بمثابة الحلقة المركزية التى يتسنى بواسطتها الكشف عن طبيعة العلاقة بين نظام التعليم والنظام الاقتصادى والاجتماعى السياسى.
وتتعدد الاتجاهات التى تكشف عن العلاقة بين الديمقراطية الاجتماعية وديمقراطية التعليم:
1- اتجاه يرى ان التعليم ينتج باستمرار علاقات اجتماعية جديدة أكثر ديمقراطية (التعليم حيادى تنافسى حسب النظرة الوظيفية).
2- اتجاه يستبعد وجود أى شكل ديمقراطى فى المجتمعات الرأسمالية، بسبب اسهام التعليم فى إعادة إنتاج علاقات الإنتاج القائمة (بورديود باسروم، بورأيواستيلات).
3- اتجاه ثالث يؤكد على أهمية النضال من أجل تحقيق المزيد من الاصلاحات الديمقراطية والتعليم (كومزوباولوفريرى)، وخاصة إقرار إلزامية التعليم وتحقيقها، وتحقيق مجانيته، وتوحيد البنية التنظيمية للتعليم، مع الاهتمام بتنويع الدراسة فى المرحلة الاعدادية والثانوية ضمن إطار الوحدة ويجمع موقفنا بين الاتجاهين الثانى والثالث.
إذا كان البعض يضع مقومات رئيسية لمفهوم ديمقراطية التعليم تشمل: التعليم العصرى الذى يخاطب كل فئات البشر، وتنفيذ الأهداف والسياسات التعليمية ووضع تشريعات وضمانات تنفيذها، والانطلاق من مبدأ التعليم اذكاء الشخصية وتحريرها للتعليم من قالبه التقليدى الجامد، والانطلاق من مبدأ التعليم للإبداع للحياة والعمل، فاننا نعنى بمفهوم تكافؤ الفرص التعليمية إتاحة التعليم لكل قادر عليه، تذليل الصعاب التى تعترض عملية التعليم سواء أكانت مادية أو معنوية، ومعيار هذا المفهوم التمثيل النسبى للفئات الاجتماعية داخل مراحل التعليم المختلفة، كما ان جوانب تكافؤ الفرص التعليمية (والمرتبطة بما ينص عليه الدستور المصرى فى مادته الثامنة بأن الدولة تكفل تكافؤ الفرص التعليمية لجميع المواطنين) وتتحدد بإزالة العقبات المادية التى تحول بين الفرد والتعليم، وتوفير أفضل الظروف الميسرة للتعليم، وقيام العملية التعليمية على أساس من مشاركة كل الظروف المعنية بها، كما يفسر فى تحليل أخر بتقديم تعليم إلزامى لكل الأطفال حتى سن معينة، وتقدم بمنهج موحد للجميع، وإتاحة فرصة التعليم للجميع بصرف النظر عن خلفياتهم الاجتماعية ونوعيتهم وعقيدتهم وتحقيق المساواة بين مختلف المناطق والبينات المحلية (6).
وثمة اتفاق على أن تكافؤ الفرص التعليمية لم تحقق المساواة المنشودة فى الفضاء الإنسانى، ولم تقترب منها، بالرغم من قداستها اليوتوبية منذ "جمهورية أفلاطون" وتبشيره بالمساواة التعليمية، ومرورا بجان جاك وروسو، ووصولا إلى ربط المساراة التعليمية بمبدأ - غوق الإنسان فى الوقت الراهن، وبينما تجهض النخبة مفهوم تكافؤ الفرص التعليمية، وتبتعد الممارسة المتميزة للشرائح المهنية اجتماعيا فتحوله إلى لامساواة، ففى الأدبيات المصرية تلاحظ مديحة الصفطى فى بداية الثمانينيات ان التعليم يمثل تصفية اجتماعية بالدرجة الأولى لأنه لا يعتبر نظاما تربريا فقط بقدر ماهو نظام اجتماعى، وأنه يعكس التقسيم الطبقى للمجتمع العربى، وتقتصر كليات القمة الطب- الهندسة على أبناء طبقة واحدة مما يهدم مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية ويؤدى إلى وجود نوع من التوارث فى مهنتى الطب والهندسة (7)، ووصولا إلى منتصف التسعينيات فى دراسة دينا جمال الدين ترى أن هناك نوعا من الاستثمار بنوعيات خاصة من التعليم للأفراد الذين ينتمون إلى مستويات عالية مثل طلاب أقسام اللغات والجامعة الأمريكية والصيدلة وذلك فى دراستها التى أجرتها على طلاب الجامعة الأمريكية والصيدلة والاقتصاد والعلوم السياسية والآداب والتربية للكشف عن دور التعليم فى التمايز الاجتماعى (.
ويرصد مسعود ضاهر أوجه المفارقة الساخرة. فقد أقمنا فى كل البلاد العربية أنظمة تعليمية عظيمة ومكلفة، ولكننا جعلناها عربيا لفئة اجتماعية تستخدمها من أجل تحسين اوضاعها بالمقارنة مع جماعة شعبية بقيت فى غالبيتها العظمى أمية. وقدمنا للمتعلمين معلومات مفككه ومنقطعة عن مواقع فى الحكم أو المعارضة، فى الوقت الذى حرمنا فيه المتعلمين من كل وسيلة أو فرصة للتفكير الجدى بالواقع السياسى والاجتماعى، فلم يعد نظاما لانتاج العلم وتطوير المعرفة بل أصبح وسيلة لتحقيق الصعود الفردى والجماعى (9).
هل نصل إلى الحكم لأن المدرسة هى المؤسسة الاجتماعية المتخصصة فى إنتاج علاقة التفاوت واللامساواة اجتماعيا، وأن أليات التعليم تحقق هذا الفرز بحيث تقوم بعملية الاستبعاد والانتقاء بشكل مرحلى مستمر؟
وتعمل المدرسة بوصفها أداة تصفية اجتماعية انتقائية، حيث تظهر عوامل اللامساواة فى أربع عمليات نقضية رئيسية تلعب الخلفية الاجتماعية دورا مهما فيها:
1- عدم المساواة فى الفرص المتاحة للالتحاق بالتعليم.
2- عدم المساواة فى متابعة التعليم (ظواهر الرسوب والتسرب والتخرج)
3- عدم المساواة فى الناتج التعليمى (امتحانات واختبارات)
4- عدم المساواة فى الناتج النهانى للتعليم (فرص التوظف بعد إكمال التعليم الرسمى) وتعمل المدارس من خلال الآليات الأربع السابقة كأداته لتصفية اجتماعية انتقائية (10).
يؤكد نظام التعليم من خلال مبدأ الجدارة إعادة إنتاج اللامساواة من خلال تبرير الامتيازات اللوم وإلقاء اللوم على الفرد فى فشله وفقره ويتفق بواردييه وباسرون مع بولز وجنتس فى رأيهما على أهمية المدرسة والتى تكمن وظيفتها كأداة للمحافظة على التركيبة الاجتماعية والابقاء عليها. وهكذا يمكن أن نقول بوجود تناظر بين المدرسة والمجتمع فيستخدم التعليم لإعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية والاقتصادية عن طريق عمله كجزء من الجهاز الأيديولوجى للدولة (11).
وينفى سمير أمين عن النظام التعليمى الواقع فى إطار مجتمع الاختلال الطبقى تحقيقه لتكافؤ الفرص على اعتبار ان النظام الديمقراطى الذى يتيح نظريا أقصى درجة ممكنة من درجات تكافؤ الفرص، فيما يتعلق بامكانية العمل لكافة الأفراد، يضمن كذلك عن طريق الامتحان وتعميم الفرص، الدراسية درجات رحبة للحراك الاجتماعى، وعلى أن ذلك سيواجه بتأثير ديمقراطى محدود بتقسيم المجتمع إلى طبقات تتصف بعدم التكافؤ فى الثقافة والمعرفة او فيما يتلقاه الصغار من تعليم خارج المدرسة (13).
ان شعارات مثل (التعليم للجميع) وديمقراطية التعليم والمساواة التعليمية تظل أهدافا معينة فى سياسة التعليم فى معظم أقطار العالم تفرغها الممارسات الواقعية من مضمونها.
وبنظرة سريعة على بعض الظواهر التعليمية فى الواقع المصرى تدلل على حجم الثغرات فى حقل التعليم والتى مثلت خروقات متناثرة ومنها: الجامعات الخاصة، الدراسة باللغات . الأجنبية فى كليات التجارة بالجامعات الرسمية الجامعة الأمريكية، فروع الجامعة الأجنبية فى مصر، ظاهرة الدروس الخصوصية، الإزدواجية فى مرحلة التعليم الأساسى (مدارس لغات - مدارس خاصة مدارس تجريبية مدارس حكومية مدارس عسكرية - مدارس أزهرية)، ومدى التفاوت الواسع بينها، حجم ظاهرة الأمية المتسع.
ويرصد الفكلاوى الاختلالات التعليمية الراهنة فى المجتمع المصرى فى الأوجه التالية:
1- فتور الدافعية نحو التعليم لدى قطاعات المجتمع.
2- استمرار حالات النقد للهيكل التعليمى برمته من منطلق صحوة جديدة لممارسة متكاملة وعملية الاتجاه نحو تجديده.
3- تعميق التخلف والفئوية والتمايز الذى يفقد التعليم غايته الأساسية وهى إيجاد المجتمع المتعلم المتماسك ثقافيا.
4- إعاقة حركة التنمية وبرامجها استنادا إلى تدنى فاعلية مخرجات العملية التعليمية وضعف الصلة بينها وبين مطالب المجتمع وحاجياته (14).
ويبدو أن البعض أكثر واقعية عندما يستبدل مصطلح تكافؤ الفرص التعليمية ln Equality بمصطلح التمايز الاجتماعى " SOCIAL DIFFERENTATIONأو مصطلح الاجتماعى - SO Cial Diffrentiation وخاصة فى الآقطار النامية (15) .
اختلال تكافؤ الفرص التعليمية فى الواقع المصرى:
ما أبعاد الفجوة بين النص والواقع؟.. وما مدى تباعد المساواة التعليمية وتكافؤ الفرص التعليمية عن الشعار والخطاب الفكرى السياسى؟
يتبنى البعض اربع قضايا للكشف عن مدى نجاح أو فشل النظام التعليمى فى توفير الحد الأدنى من العدالة التعليمية وهى: نسبة الأمية الأبجدية، والاستيعاب (التمدرس)، والتسرب، والرسوب (16).
بينما يقيس حامد عمار الانجاز التعليمى وارتباطها بالعدالة الاجتماعية من خلال مؤشرات إحصانية شبيهة وهى: نسبة الأمية، ومعدل التسجيل (القيد)، ومعدلات الالتحاق، ومعدلات التسرب، ومعدلات الالتحاق للإناث، ومعدل التدفق، ومعدلات المعلمين، ومعدلات الإنفاق على التعليم، ومعدلات الحرمان من التعليم، ومستويات الحالة التعليمية فى القوى العاملة (15- 64 سنة) (17).
وتشير دراسة أمانى الحدينى مع أدبيات أخرى إلى أنه مع تحمل الفقراء لتكاليف سياسات الإصلاح الاقتصادى، فإن هدف تخفيض عجز الموازنة يتضمن تخفيض النفقات من 51% من الناتج المحلى إلى 44% فى منتصف التسعينات مما يؤدى لتخفيض محتمل لحجم التمويل الموجه للتعليم الرسمى وتخفيض كمية التعليم وانخفاض نوعيته. ولا شك أن الفنات الفقيرة سواء فى الحضر أو الريف أكثر الفئات تأثرا بهذه الآثار السلبية سواء فى طلب أو عرض التعليم، مما يجعلها تتأثر بتخفيض حجم التعليم أو غرضه وبالتالى فى الحصول على فرص العمل مما يجمد عملية الحراك الاجتماعى ذاته أمام هذه الفئات (18).
ويمكن من قراءة البيانات السابقة استخلاص النتائج التالية:
1- ضخامة نسبة الأمية فى المجتمع المصرى، رغم الجهود المبذولة، ويعزز هذه الظاهرة تضخم نسب الهدر التعليمى، وخاصة التسرب التى تعيد إنتاج غول الأمية وتعمل على استفحاله، وتسهم أعداد المتسربين وغير الملزمين فى ظاهرة عمالة الأطفال التى قدرت فى بداية التسعينيات بحوالى 2,8 مليون طفل فى الفئة العمرية للإبتدائى والإعدادى والثانوى، نصفهم من محافظات الوجه القبلى.
2- بالنسبة للفجوة الجنسية لايزال خط الإناث من التعليم دون المستوى المأمول، حيث تنخفض نسبتهم فى التعليم كله إلى 39%، وهو ما يعزز ظاهرة أخرى هى انخفاض معدل معرفة القراءة والكتابة (أو 36% للإناث) فى حين ترتفع هذه النسبة إلى (61،8%) الذكور، وهو ما يعزى إلى التقاليد الثقافية بشكل أساسى.
ارتباط المستوى الاقتصادى الاجتماعى بالحظوظ التعليمية، وسياسات التكيف الهيكلى خلال السنوات الخمس الماضية، حيث يرصد تقرير البنك الدولى مصر: تخفيف حدة الفقر خلال التكيف الهيكلى 1991تأثر الفقراء بالتغير الحادث نتيجة لتطبيق سياسات التكيف الهيكلى، ووجود علاقة ارتباط قوية ما بين الفقر والمستويات المنخفضة من التعليم، ومن ناحية أخرى، يرصد التقرير نمو معدل الالتحاق السنوى بمعدل 5,1%للابتدائى مقابل 9,1% للثانوى، وكذلك ارتفاع نسب الأميين إلى 61,2% من سكان الريف مقابل 35,3% من الأميين سكان الحضر، وهم ينتسبون إلى الفئات الأشد فقرا (تبلع نسبتهم 37% من سكان الريف، 35,3% من سكان الحضر) (19).
ويفسر تقرير التنمية البشرية فى مصر الأخير (1996) العلاقة بين الفقر والتعليم، فالتعليم عنصر مهم فى التأثير على الفقراء باعتبار ارتباطه القوى بالمهنة ومستويات الدخل. وهو أيضا مؤتمر لمدى قدرة الأسر على إشباع حاجاتها الأساسية. وتبين مؤشرات الفقر من حيث علاقتها بالحالة التعليمية لأرباب الأسر فى كل المناطق الحضرية الريفية. إن هناك علاقة ارتباط عكسية بين مقاييس الفقر ومستويات التعليم، وإن أعلى مؤشرات الفقر تخص الأسر التى يكون أربابها أميين (42% فى الحضر، 38% فى الريف). فدور التعليم واضح فى الحصول على دخل كان أكثر أهمية فى الحضر عنه فى الريف، وهو يسهم بذلك فى أبعاد الفقر.
كما تتبدى العلاقة بين التعليم والفقر والعدالة الاجتماعية فى أن استهلاك الفقراء يقل فى ظل أوضاع الفقر، وخاصة أبق استهلاك الطعام يستهلك أغلب دخلهم. ويوجد اختلاف ملحوظ يين الفقراء وعير الفقراء فيما يتعلق بإنفاقهم على التعليم (3,9% من ميزانيه الأسرة الفقيرة يرتفع 4,6% من مساهمات الأسرة غير الفقيرة) (20).
وتتبدى المفارقة واضحة بين أن زيادة نصيب إنفاق الدولة على التعليم من الناتج المحلى الاجمالى لا يقابله زيادة نصيب الفقراء من هذه الزيادة، مما يعنى أن الشرائح الوسطى هى المستفيدة الأولى من هذه الزيادة. ومع زيادة نسبة الانفاق على التعليم إلى الناتج القومى الاجمالى من 3,5% فى نهاية الثمانينيات إلى 5,5% فى نهالة التسعينيات، فلا تزال هذه الزيادة فى الإنفاق على التعليم منخفضة نسبيأ(21).
كما تتبدى العلاقة ما بين الفقر وانخفاض مستويات التعليم فى ظاهرة أخرى هى التسرب، والذى تبلغ نسبته 10-15%من بين السكان الآكثر فقرا فى الأعوام (1984- 1988)، كما ان هذا الارتباط يتمثل فى علاقة أخرى هى المخرجات، حيث يحصل 80% من الطلاب من أبناء الاسر الفقيرة بالريف على درجات منخفضة فى امتحان شهادة الثانوية العامة، مقابل 50% من أبناء الأسر الفنية يحصلون على درجات مرتفعة (تعزيز عامل الدروس الخصوصية) ويتبدى تأثير التباين الاجتماعى الواسع فى مستويات المعيشة على حظوظ ابنائهم، فقد وجد أن نسبة أبناء رجال الأعمال الذين يلتحقون بالمرحلة الثانوية (33,5%)، وبمرحلة التعليم العالى (30,5%) بينما لاتتجاوزنسبة أبناء العمال اليدويين (2,8%) فيمن يلتحقون بالتعليم الثانوى (1,4%) فيمن يلتحقون بالتعليم العالى فضلا عن تركز أعلى نسبة للتسرب خلال الثمانينيات بين الأسر الريفية حيث تصل هذه النسبة إلى (45,6%) تليها نسبة التسرب بين أبناء العمال (32,6%) ثم أبناء الموظفين (6,7%)فأبناء التجار (3,4%)ولايوجد تسرب واحد بين أبناء ذوى الدخل المرتفع (22).
وترصد التحليلات ظاهرة مفارقة، وهى تحيز سياسات التعليم لغير صالح الفقراء سواء فى حجم التعليم أو نوعيته أو حتى فى نمط توزيع النفقات، فهو منحاز لصالح الحضر على حساب الريف، وفى صالح التعليم العالى على حساب التعليم الأساسى.
وتتفق أرقام ملاحظات تقرير البنك الدولى مع دراسة مصرية لحامد عمار خلص فيها إلى أن التعليم الأساسى تعليم للفقراء، فبإستثناء نسبة 5% من جملة المقيدين فى مرحلة التعليم الاساسى ملتحقين بالتعليم الخاص الذى يتقاضى مصروفات باهظة بالنسبة لقدرات الغالبية العظمى من الأسر المصرية من أبناء المتوسطين والأغنياء، يبقى حوالى 95% من السكان من المقيدين بالمدارس الرسمية وهم ينتمون إلى حوالى 82% من السكان الفقراء ومحدودى الدخل ومتوسطى الدخل، وهؤلاء هم الذين ينتفعون مما يتاح من فرص التعليم الرسمى الأساسى، وينتمى إلى هؤلاء غالبية المتسربين والراسبين. ويدعم ذلك الحكم بأن التعليم الأساسى تغلب عليه سمات الفقر والذى نجده فى ثقافة الفصول التى تصل فى المتوسط إلى 45 طفلا، وقد تصل إلى 60 فى بعض المدارس إلى جانب تعدد الفترات الدراسية فى بعضها الآخر (23).
فإن حكمنا على التعليم الأساسى الرسمى بأنه تعليم للفقراء ليس مبالغا. وبالمثل يمكن الذهاب إلى أن التعليم الفنى مستودع لأبناء المستويات الاقتصادية والاجتماعية الأدنى لفئات السكان، ويرافق ذلك انخفاض معدل الكلفة الفعلية لخريجيه، ومصدر لجيش من المتعطلين، وربما ظهرت مشكلات أخرى للتعليم تظهر بدرجة أكبر من خلال ظواهر يعانى منها التعليم المصرى، وربما كان أهمها ظاهرة الدروس الخصوصية والتعليم الخاص والأجنبى، والجامعات الخاصة.
وهو ما يطرح أسئلة ومخاوف حقيقية على مستقبل مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية وديمقراطية التعليم، وخاصة فى ضوء حركة السحب والتفريغ التى ستمارسه على الجامعات الحكومية.
ويبقى - وهو الأهم - أن هذه الظاهرة تنسف مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية من الأساس، حيث تقدم الخدمة التعليمية لمن يملك وليس لصاحب الجدارة العلمية وهو اتجاه يتسع فى المجتمع المصرى خلال العقد الأخير.
فهل نحن إزاء "اغلب" تعليمية تجارية تكرس ظاهرة التقسيم الاجتماعى بالفعل.. وتعزز ظاهرة الخلاص الفردى والحلول الفردية للأقلية وسط مشكلات مجتمعية عامة؟ آفاق المستقبل: فى نهاية كتاب الباحثة الأمريكية جوديث كونكران عن "التربية فى مصر". تشير إلى حقيقة خاصة حول ارتباط مستقبل التعليم فى مصر بمدى تحقق تكافؤ الفرص التعليمية ودعم تعليم أبناء الطبقات الفقيرة فى هذا التعليم، فتقول:"سوف يحدد تعليم الفقراء استقراز البلاد فى المستقبل"، ولابد أن يقوم بإمد ادهم بالأمان والاعتزاز بتراثهم، والثقة بجدوى مهارتهم فى مواجهة المستقبل. إن صراعات مصر لم تنته ولا تلوح فى الأفق حلول لهذه الصراعات، ولكن عندما يبدأ حل الخلافات الثقافية، سوف يشعر المصرى المتعلم بالأمان ويحيا حياة طبيعية فى مجتمعه (24).
ويبدو الوضع داعيا إلى التشاؤم، صحيح أن التعليم المصرى وخاصة الابتدائى قد حقق نجاحات منذ بداية التسعينيات، وخاصة فى مجال زيادة الإنفاق الجارى للتعليم، وزيادة معدل الاستيعاب نسبيا، وتطوير المناهج، وبناء وتجديد المدارس، إلا أن هذه النجاحات "لا يجب أن تصرف انتباهنا عن الشرط الحقيقى لتحقيق ديمقراطيه تعليمية حقيقية وهو الإصلاح الاجتماعى، وتحسين العدالة الاجتماعية الواسعة من خلال تبنى سياسات اجتماعية منحازة للاغلبية، وإعادة توزيع الدخل القومى بين السكان بشكل أكثر عدالة، وتدعيم مستوى معيشة الفقراء ومحدودى الدخل، ومكافحة الفساد، والعدالة الضريبية وتحقيق نجاحات فى التنمية البشرية فى ظل واقع يتسم ببشاعة الشروط المادية للعملية التعليمية (تباطؤ معدل النمو الاقتصادى، واتساع نسب البطالة، وتصاعد معدلات التضخم)، وازدياد الفجوة بين أطراف الهرم الاجتماعى واتساع دائرة الفقر، وطغيان قوى السوق مما أفرز اتساع ظاهرة الفقر، وتراجع الوزن النسبى للانفاق الحقيقى على التعليم، وانتشار التعليم السلعى.
وثمة جراحات صعبة لايزال على السياسة التعليمية أن تقدم عليها (25)، ومنها الوصول إلى استيعاب كامل أو إنقاص نسب التسرب إلى أقل من 2% وكذلك الحاجة إلى أرتفاع النسبة المخصصة للإنفاق على التعليم من 10 إلى 15 %من جملة الإنفاق العام، ولايزال متوسط سنوات التمدرس فى مصر ثلاث سنوات، فى حين تبلغ أكثر من 10 سنين فى بعض الدول الأوروبية. وتبقى مشكلات ضعف إعداد المعلمين، والحاجة إلى استمرار تدريبهم، ومعالجة ظاهرة التسرب والرسوب، وتطوير الامتحانات ومد فترة التعليم الإلزامى إلى 12 سنة، ومواجهة مشكلة الدروس الخصوصية التى قلصت واقعية ظاهرة مجانية التعليم (26).
كما تظل مشكلة الأمية تمثل تحديا كبيرا أمام أى نجهود تنموية، ولم تترجم حتى الآن جهود المواجهة من اعتبار هذه المشكلة قضية قومية، حيث يمكن للجهود الأهلية وتنظيمات المجتمع المدنى أن تقوم بجهد كبير فى تقليصها.
إن إضفاء المضمون العقلانى والمستقبلى على التعليم المصرى، خطابأ وسياسة، مسألة أساسية ليسهم التعليم بدوره الفعال فى العبور إلى مستقبل أفضل، وليستقطب نصيبأ أكبر من الإنفاق والوعى والجهد فى ظل أجندة الأولويات المصرية، يعززه تبنى رؤية اجتماعية أكثر عدالة، وهذه هى الضمانة الحقيقية لإضفاء الطابع الديمقراطى على التعليم المصرى.
الهوامش:
1- حامد عمار، فى التنمية البشرية وتعليم المستقبل، القاهرة: الدار العربية للكتاب، 1999، ص 116.
2- معهد التخطيط القومى، تقرير التنمية البشرية فى مصر، القاهرة 1996.
3- بول كيندى، الاستعداد للقرن الحادى والعشرين، ترجمة محمد عبد القادر وغازى مسعود، عمان: دار الشروق،
1983، ص 409.
4- محمد دويدار، الدلالة الثقافية للنظام التعليمى فى مصر، مجلة سطور، ع (7)، القاهرة، يونيو 1997.
5- أحمد النكلاوى، علم الاجتماع دراسه لمشكلات المجتمع المصرى.، القاهرة: دار الثقافة العربية، القاهرة،
1992، ص 282.
6- محسن خضر، تكافؤ الفرص فى التعليم ماقبل الجامعى فى مصر خلال التسعينيات، حجلة (التربية والتنمية)،
القاهرة، 1997.
7- مديحة محمد الصفطى، التعليم والحراك المهنى الاجتماعى، رسالة دكتوراه غير فنشوره، كلية الآداب، جامعة
عين شمس، القاهرة، 1980، ص 389.
8- دينا إبراهيم جمال الدين، دور التعليم العالى فى التمايز الاجتماعى فى مصر، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية
التربية جامعة عين شمس، القاهرة، 1995، ص 190.
9- برهان غليون، اغتيال العقل، القاهرة: مكتبة مدبولى، 1990، ص 322.
10- shciefelbein Ernosto, and Josoph p.farrell, Eight year of their lives through schooling to the labour market in chile.Qtlawa, the International Development center, 1982,p.11
11-jenks,c,In Equality A Reassessment of the Eeffect of family and schooling in American, Basic Book, Inc, New York.1972,p.120.
12- عبد السميع سيد احمد، "دراسات فى علم الاجتماع التربوى، الأسكندرية، دار المعرفية الجامعية، 1993،
ص 98.
وكذلك: محسن خضر، التعليم العربى بين القهر الإجتماعى وتزييف الوعى، مجلة الوحدة، ع (72)، الرباط: المجلس
القومى للثقافة العربية، 1990.
راجع: اراء بورديو وباسرون فى.
Bourdoieu, pierre and passeronm jean cldus, Reproduction in Education, lon don and Beverly Hills,sage pub,1977
13- سمير امين، محو الأمية التعليم الشعبى من اجل التنمية، ترجمة كمال نجيب، مجلة التربية المعاصرة، رابطة
التربية الحديثة، ع (7)، القاهرة، سبتمبر 1987
14- احمد النكلاوى، علم الاجتماع ودراسة لمشكلات المجتمع المصرى، مرجع سابق، ص 318.
15- تورستين حسين، التعليم العالى والتمايز الاجتماعى، ترجمة محمد أحمد الرشيد، المعهد الدولى للتخطيط
التربوى، الرياض، 1988، ص 13.
16- شبل بدران، التعليم والديمقراطية، مجلة القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ع 178، القاهرة، سبتمبر
وأكتوبر 1997.
17- حامد عمار، فى التوظيف الاجتماعى للتعليم، القاهرة " مكتبة الدار العربية للكتاب، 1997، ص ص 72- 87.
18- أمانى الحدينى، المهمشون والسياسة فى مصر، القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام،
1999، ص 82.
19- برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، تقرير التنمية البشرية لعام 1995، القاهرة: دار العالم العربى للطباعة، 1995.
20- معهد التخطيط القومى، تقرير التنمية البشرية فى مصر، مرجع سابق، ص 34.
21- المرجع السابق، ص 6.
22- محمد نعمان نوفل، بعض الآثار المتوقعة لسياسات التكيف الهيكلى على التعليم، المجلة المصرية للتنمية
والتخطيط، معهد التخطيط القومى، يونيو 1995.
23- حامد عمار، احوال الإنسان فى ربوع مصر ومؤشراتها فى مطلع التسعينيات، القاهرة رابطة التربية الحديثة،
24- جوديث كونكران، التربية فى مصر، ترجمة احمد شفيق الخطيب، القاهرة: د. ت، 1989، ص 14.
25- محمد دويدار، الدلالة الثقافية للنظام التعليمى فى مصر، مرجع سابق.
26- محسن خضر، التعليم فى مصر الحاضر وافاق المستقبل، محاضرة أمام وفد اساتذة الجامعة الأمريكية،
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى