العلاقة بين الإعلام والتربية في الوطن العربي أيّة إشكاليات؟ أيّ مستقبل؟
صفحة 1 من اصل 1
العلاقة بين الإعلام والتربية في الوطن العربي أيّة إشكاليات؟ أيّ مستقبل؟
احتضنت دمشق خلال السنة الماضية (في سبتمبر 2003) ملتقى عربيا كبيرا حول دور الإعلام والتربية في تعزيز القيم العربية الإسلامية. وجاء هذا الملتقى بمبادرة من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. كما شرعت منظمة اليونسكو في إنجاز برنامج متوسطي لتكوين الأساتذة قصد إدراج التربية على وسائل الإعلام ضمن البرامج الدراسية. وتنطلق هذه التجربة في الأردن وتونس ومصر. كما انعقدت في تونس (من 15 الى 17 أفريل 2004) ندوة دولية نظمها معهد الصحافة وعلوم الإخبار في تونس بمشاركة عدة أقسام إعلام عربية وذلك للنظر في إحداث تكوين مختص للإعلاميين قصد تحضيرهم للعمل بالمؤسسات التربوية.
وتكتسي مختلف هذه المبادرات أهمية خاصة لأنّها تبشر بتطوّر مستقبلي في طبيعة العلاقة بين المؤسسة الإعلامية والمؤسسة التربوية في الوطن العربي.
إنّ الجدل القائم حول العلاقة بين التربية والإعلام ليس بالجديد. والدراسات المتعلقة بتفاعل المؤسسة التربوية مع وسائل الإعلام عديدة ومتنوّعة. والندوات المنعقدة حول هذا الموضوع الهام تكتسي طابعا وطنيا وإقليميا ودوليا.
وقد أبرزت مختلف هذه الندوات والدراسات والمطارحات مظاهر التنافر والتضارب بين المؤسسة التربويّة والمؤسسات الإعلامية من ناحية. كما أبرزت من ناحية أخرى مظاهر التوافق والتجانس والتكامل بينهما.
فأية صورة تحملها المؤسسة التربوية عن وسائل الإعلام؟
وأية مواقف أنتجتها المدرسة حول الإعلام؟
إنّ طرح هذا الموضوع في هذا الوقت بالذات، وفي وطننا العربي بالتحديد، يكتسي أهمية خاصة لأنّه أصبح يثير إشكاليات جديدة تتجاوز ما كان مطروحا في السابق من إشكاليات. وسنسعى من خلال هذه الدراسة الى تحديد الإشكاليات التقليدية والإشكاليات الجديدة التي تطرحها العلاقة بين الإعلام والتربية.
I - الإشكاليات التقليدية:
لقد اتّسمت العلاقات القائمة بين المؤسسة التربويّة ووسائل الاتصال بشيء من التصادم. ولم يكن أغلب رجال التربية ينظرون بعين راضية إلى تعامل التلميذ مع وسائل الإعلام. ولم تكن أغلب الأنظمة التربويّة تسمح بدخول الصحيفة أو المادة الإعلامية السمعية البصرية الى المدرسة، كما كانت صورة الثقافة التي تروّجها وسائل الإعلام سلبيّة بالنسبة لأغلب المربين الذين يعتبرون هذه الثقافة سطحية وفسيفسائية ومبتذلة وغالبا ما تبدو المدرسة منغلقة على ذاتها.
وفي حين كانت الثقافة التي تروّجها المدرسة تتسم بطابعها المؤسساتي المنظّم والمتدرّج وفق أهداف بيداغوجية واضحة، فإنّ المادة التي تروّجها وسائل الإعلام تتسم بالخصوص بطابعها الترويجي ولا تخضع الى أية خطة واضحة لنشر المعرفة، وتبدو الثقافة المدرسية في تباين مع الثقافة التي تروّجها وسائل الإعلام.
ولهذا فإنّ الاختلاف القائم بين المؤسستين التربوية والإعلامية كان مثارا للتخوّف بالخصوص لدى رجال التربية.
فهل يفسّر انغلاق المدرسة على نفسها بحرصها على الحفاظ على استقرارها التقليدي وخوفها من تفكّك بنائها؟ وهل أن هذا الانغلاق يعود الى نزعة التصدّي لكلّ ما هو تجديد أو تغيير؟
إنّ مجالات التجانس والتشابه بين المؤسّستين التربوية والإعلامية لم تكن خافية على بعض الدارسين والمربين المجدّدين.
فدور المؤسسة الإعلامية لا يقلّ قيمة عن دور المؤسسة التربوية في التنشئة الاجتماعية للفرد، إلى جانب المؤسسة العائلية. كما أن الوقت الذي يقضيه الطفل أو الشاب في تعامله مع وسائل الإعلام لا يقلّ أهمية عن الوقت الذي يقضيه في المدرسة. وتساهم وسائل الإعلام في ضمان ديمقراطية المعرفة مثلما ترنو إليه المدرسة العصريّة بل إنّ الوسائل الإعلامية السمعيّة البصريّة تؤدي وظيفة ثقافيّة وتربويّة حتى بالنسبة إلى من يجهل الكتابةوالقراءة ولمن لم يتعلّم في المدرسة، كما أن التعلّم عبر وسائل الإعلام يقوم في جوهره على ترابط عضوي بين التعلّم والترويح عن النفس. لذلك فإنّ المدرسة ووسائل الإعلام يخدمان نفس الأغراض التربويّة. وذهب بعض الباحثين الى اعتبار المؤسسة الإعلامية مدرسة موازية. واعتبرها البعض الآخر المدرسة العصرية. واعتبر البعض الآخر أنّ إدخال وسائل الإعلام في صلب المدرسة لا يعني قطعا تفوّقها المطلق على المناهج التقليدية بل إنّها مكمّلة لها.
وعلى هذا الأساس، عمل بعض المجددين من رجال التربية في الوطن العربي وفي أجزاء أخرى من العالم على تجاوز القطيعة القائمة بين وسائل الإعلام والمدرسة لتوظيف الإعلام في خدمة التربية. وبذلك قامت تجارب متعدّدة في مجال الصحافة المدرسيّة ساهمت في تنمية مهارات التحرير لدى التلاميذ بصفة حيويّة من خلال الوسائل الإعلامية كما كانت المادة اللغويّة للصحف من الأدوات البيداغوجيّة لتدريس قواعد اللغة بصفة نشيطة من قبل بعض المربين.
وإلى جانب الصحافة المكتوبة، دخلت وسائل الإعلام السمعيّة البصريّة الى المدرسة، وتولى بعض المربين تأطير إذاعات داخلية يتولى تنشيطها التلاميذ في المدارس. كما تولّى البعض الآخر من المربين تنشيط نواد للسينما يقوم نشاطها على عرض للأفلام يتبعه تقييم نقدي لهذه الأفلام على مستوى شكلها الفنّي ومضمونها.
كما تمّ استغلال التلفزيون وجهاز الفيديو داخل قاعات الدرس من قبل بعض المربين كأداة بيداغوجية في عمليّة التعليم.
وإلى جانب هذه المبادرات المتفرّقة من قبل المجددين من المربين، قامت عديد التجارب في العديد من البلدان لتوظيف وسائل الإعلام في خدمة أغراض تربويّة محدّدة. وحظيت هذه التجارب أحيانا بدعم من قبل بعض المنظمات الإقليمية والدوليّة. وهكذا تمّ استغلال وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية والبصرية في خدمة حملات منظمة لمحو الأميّة. كما انتظمت حملات مشابهة لفائدة المجتمعات القرويّة أو الريفيّة وغيرها. وتمّ توظيف وسائل الإعلام أيضا في خدمة التربية الصحية والغذائية أو في خدمة الإرشاد الفلاحي أو في خدمة أغراض تنموية أخرى.
وبالرغم من هذه الاستعمالات المتعدّدة والمتنوّعة لوسائل الإعلام في خدمة أغراض تربويّة، فإنّ الجدل بقي قائما بين المربين والدارسين حول الجدوى الفعلية لوسائل الإعلام في العملية التربويّة.
وبقي التساؤل قائما حول مدى تجانس أو تناقض المؤسستين التربويّة والإعلاميّة. على أنّ طرح الإشكاليات المتعلّقة بالعلاقة بين المؤسسة التربويّة ووسائل الإعلام أصبحت تفرض ذاتها في الوقت الراهن، فقد أحدثت الثورة التكنولوجيّة في مجال الإعلام والاتصال تحوّلا جذريا في طبيعة العلاقة بين التربية والإعلام.
ويتمثل هذا التحوّل في استعمالات المؤسسة التربويّة للتقنيات الجديدة للإعلام والاتّصال كأدوات بيداغوجيّة لإكساب عملية تبليغ المعرفة مزيدا من النجاعة، كما أنّ وسائل الإعلام أصبحت في حدّ ذاتها محورا للعمليّة وضمن برامج التعليم في المدرسة.
II - الإشكاليات الجديدة المرتبطة باستعمالات تكنولوجيا الإعلام في التربية:
لقد تطوّرت تكنولوجيا الإعلام بشكل سريع وجذري منذ تسعينات القرن العشرين، وكان لانتشار الأقمار الصناعيّة من ناحية ولنمو تكنولوجيا الإعلاميّة تأثيرهما الواسع على مختلف مجالات الحياة بما في ذلك على الحياة المدرسيّة، كما أنّ الأنترنات أصبح يمثل وسيلة إعلاميّة متكاملة تجمع بين الصورة والصوت والنصّ المكتوب وتكتسح مختلف الفضاءات وتهتمّ بمختلف حقول المعرفة.
ونتيجة لهذه التحوّلات التكنولوجية الهامة، تحوّل موقف المؤسسة التربويّة بمختلف مستوياتها إزاء تكنولوجيا الإعلام. وبعد أن كان استعمال وسائل الإعلام منحصرا في بعض التجارب المتفرّقة لبعض المربّين المجدّدين، أصبح اقتناء أجهزة الكمبيوتر مطمحا لأغلب المسيّرين للمؤسسات التربويّة، وأصبح الارتباط بشبكة الانترنات من الأهداف التربويّة الاستراتيجيّة. وبعد أن كانت المؤسسة التربويّة تنظر الى وسائل الإعلام نظرة يطغى عليها النفور، تحوّلت هذه النظرة ليصبح استعمال هذه الوسائل مرادفا لمواكبة العصر. وعلى المستوى الوطني، أصبحت عديد الدول تضع ضمن خططها برامج لتعميم الإعلامية وتكنولوجيا المعلومات في مختلف المؤسسات التربويّة العموميّة. وبذلك تتميّز أصبحت المرحلة الراهنة بانبهار خاص إزاء التكنولوجيا الجديدة.
وأصبح استعمال هذه التكنولوجيا في صلب العمليّة التربويّة، إذ أصبح المربي يستغلّ وسائل الإعلام في مختلف العمليات البيداغوجية للبحث عن المعلومات وتجميعها وتكوين الملفات الدراسيّة ولتنمية ملكة التحرير ولتنمية الاتصال والتعارف داخل المدرسة وبين مختلف المدارس (1).
كما أصبح المربي يستعمل وسائل الإعلام بصفة شخصية لإعداد دروسه ولتوسيع قاعدة معلوماته.
ونتيجة لهذه التحوّلات التكنولوجية، تطوّر دور التلميذ في العمليّة التربويّة ليصبح أكثر فاعليّة. فإلى جانب المعلومات التي يتمّ تلقينها له داخل المؤسسة التربوية، أصبح بإمكان هذا الأخير أن يتعلّم في بيته من خلال الأشرطة السمعيّة والبصريّة أو الاسطوانات وأقراص الليزر وغيرها من الوسائل التكنولوجية العصريّة.
وبالتوازي تطوّر دور المربي، بل إنّ حضوره كطرف مباشر في العملية التربويّة لم يعد ضروريّا. وإذا ما ظهرت في الماضي بعض التجارب للدراسة عن بعد، بالانتساب بواسطة دروس ترسل بالبريد، فقد عوضت المواصلات اللاسلكيّة مراكز البريد وظهر مفهوم جديد هو التربية الإلكترونيّة يقوم على استخدام الكمبيوتر الشخصي وأجهزة الاتصال عن بعد (2).
وأصبح التعليم عن بعد متعدّد المظاهر يمكن أن يتمّ عبر الجامعات الافتراضيّة والمواقع التعليميّة في شبكة الانترنات بفضل الأقمار الصناعيّة من خلال عديد القنوات التلفزيّة التعليميّة ( 3).
وبذلك أصبح التواصل بين المربّي وطلبته ممكنا حتى وإن كانوا في مواقع متباعدة.
إنّ مختلف هذه التحوّلات تطرح إشكاليات من نوع جديد، كما أنّ العلاقة التي تتعزّز تدريجيّا بين المؤسسة التربويّة وتكنولوجيا الإعلام تتطلب المزيد من الدراسة والتعمّق. وتجاوزا لمرحلة الانبهار يتعيّن التساؤل عن الجدوى الحقيقيّة لاستعمال تكنولوجيا الإعلام لأغراض تربويّة: ما هي الأهداف التي تطمح المؤسسة التربويّة إلى تحقيقها من خلال استعمال هذه التكنولوجيا؟ وما هي المهارات التي يمكن اكتسابها؟ وما هي البرامج الدراسية الأنسب لهذا الاستعمال؟ وما هي شرائح المتعلّمين الأكبر استفادة من هذه التكنولوجيا؟
ولتحديد الجدوى الفعليّة لوسائل الإعلام في العمليّة التربويّة، يمكن الاعتماد على المنهج المقارن بين مختلف النظم التعليميّة: فهل أن الطلاب الدارسين في الجامعات النظامية العاديّة يفوقون في معلوماتهم أو مهاراتهم الطلاب الدارسين عبر التلفزيون التعليمي الفضائي؟ وهل أنّ الصنف الأوّل من الطلاب أكثر استفادة من التعليم بالمقارنة مع الطلاب المتعلّمين عن بعد؟
وإلى جانب المردود العلمي والمعرفي، هل يختلف المردود الاجتماعي لنظاميْ التعليم. وهل يمكن القول إنّ التعليم عن بعد يشجّع الطالب على العزلة والانزواء؟
لا يمكن تحديد الجدوى من استعمال تكنولوجيا الإعلام في المنظومة التربويّة من دون تحليلالأبعاد الاقتصاديّة لهذا الاستعمال: فما هي كلفة هذه التكنولوجيا بالمقارنة مع كلفة نظام التعليم التقليدي وما هي مميزات سوق المنتوجات التربويّة التكنولوجيّة؟ هل أنّنا نساهم في إنتاج هذه المادة التربويّة أم أنّنا مجرّد مستهلكين لها؟ وإذا كان هذا الإنتاج أجنبيّا بالأساس، فما هي انعكاساته الثقافيّة على جمهور الدارسين؟ وهل تساهم التكنولوجيا في تجذير الطالب في محيطه الثقافي أم أنّها تمثل تهديدا لهويّتنا العربيّة الإسلاميّة؟
III- الإشكاليات المرتبطة بالإعلام كمحور للعمليّة التربويّة:
إلى جانب استعمال الإعلام كأداة بيداغوجيّة في العمليّة التربويّة، فإنّ التطوّر التكنولوجي فرض مظهرا مهمّا من مظاهر التكامل بين الإعلام والتربية. فقد أصبح الإعلام محورا من محاور العمليّة التربويّة. وتمّ إدراجه ضمن برامج التّدريس في مستويات تعليميّة مختلفة وبدرجات متفاوتة. وإلى جانب تدريب التلميذ على استعمال الكمبيوتر وعلى التعامل مع الانترنات وغيره من وسائل الاتصال، ظهرت مادة دراسيّة جديدة تعرف بالتربية الإعلاميّة.
وفي الحقيقة، فإنّ هذه المادة ليست بالجديدة بالنسبة للبرامج التعليميّة في العديد من الدول، بل إنّها مظهر من مظاهر التطوّر في النظام التعليمي والرّقي بالنسبة للبلدان. ويجد خريجو معاهد الإعلام الأمريكيّة والأوروبيّة مجالات رحبة لتشغيلهم في المعاهد بهدف تأمين تربية إعلاميّة للشباب.
وإذا ما تجاهلت بعض الأنظمة تدريس الإعلام، فإنّ الثورة التكنولوجيّة جعلت التربية الإعلاميّة أكثر إلحاحا. لقد كانت الدول إلى وقت غير بعيد تتميّز بسيادتها الكاملة على سكانها وعلى أراضيها، وإذا كان بإمكانها أن تتحكّم في التدفق الإعلامي داخل حدودها وأن توظف الإعلام لخدمة مصالحها الوطنيّة، فقد أسفر التطوّر التكنولوجي عن تطويرجذري للمشهد الإعلامي في كل بلد، وأسفر البث المباشر للبرامج التلفزيونيّة عبر الأقمار الصناعيّة على المس من احتكار عديد الدول لقطاع الإعلام. ولم تعد هذه الدول تتحكّم بالتالي في ما يروّج من مادة إعلاميّة داخل حدودها ولم تعد قادرة على التصدّي للبث الإعلامي الخارجي وعلى مواجهة الاكتساح الثقافي الأجنبي. كما أنّ الانترنات أصبح يتجاوز الحدود الإقليميّة ليفرض تدفقا دوليا للمعلومات يصعب التصدي له. ولذلك كثر الجدل حول الغزو الثقافي والتهديدات التي أصبحت تواجهها الثقافات الوطنيّة.
ونتيجة لهذه التحوّلات التكنولوجيّة، أصبح الجمهور أكثر إقبالا على البرامج التلفزيونيّة وأكثر تعاملا مع الأنترنات. وأصبح جمهور الأطفال والشباب بالخصوص أكثر عرضة للمادة الإعلاميّة والثقافيّة الأجنبيّة وأكثر قابليّة للتأثر بهذه المادة "لقد أصبح الأطفال والشباب يتعرّضون ويتفاعلون مع تيارات ثقافيّة ومذهبيّة وسياسيّة ضمن فضاءات ثقافيّة وإعلاميّة لا تخلو من فوضى حيث تتداخل وتتنافس وتتصارع شتى أنماط الثقافة المحليّة والأجنبيّة.
وعادة ما يتّسم استهلاك هذا الجمهور للمنتوج الإعلامي بالسلبية، إذ أنّ هذا الجمهور غافل عن ظروف انتاج القنوات التلفزيونية وعن خلفياتها المالية والإيديولوجية وعن المحتويات الضمنية للبرامج وعن أهدافها الدعائية أو التجارية.
ولهذا فإنّ المؤسسة التربوية تبدو مؤهلة أكثر من غيرها لتمكين هذا الجمهور غير الراشد من ثقافة إعلامية تجعل استهلاكه للمادة الإعلامية أكثر عقلانية وتعامله مع الإنتاج الثقافي الأجنبي أكثر نقدية. كما أنّ التربية الإعلامية يمكن أن توفر للتلميذ وعيا أكبر بخلفيات وسائل الإعلام في توجيه الفكر والأذواق والسّلوك.
ويطرح تدريس الإعلام العديد من الإشكاليات:
فهل يتعيّن إدراج دروس الإعلام داخل المؤسسة التعليمية، وضمن البرامج الرسمية؟ أم يحسن إدراج هذا التكوين في إطار نشاط الجمعيات والنوادي المدرسية؟
ويكتسي تحليل الأهداف البيداغوجية لتدريس الإعلام أهمية خاصة:
هل يقتصر هذا التدريس على إكساب التلميذ مهارات في استعمال المراجع واستغلال المكتبات والبحث عن الوثائق؟
وهل يتعيّن تعريف التلميذ بالتكنولوجيات الإعلامية الجديدة وتدريبه على استعمالها؟
وهل يحسن تشريك التلاميذ في النشاط الإعلامي بصفة إيجابية من خلال بعث مجلات وصحف مدرسية وإنتاج برامج سمعية بصرية؟
وهل يتعين تدريب التلميذ على قراءة للصحيفة المكتوبة وللرسالة السمعية البصرية؟
وهل يحسن استغلال الوسائل الإعلامية كأدوات مساندة بيداغوجية؟
ولا يمكن التعرض لهذا الموضوع الحيوي دون الاهتمام بتكوين المكونين في مجال تدريس الإعلام؟
وما هي الكفاءات التي يجب أن تتوفر لهم في ميدان الإعلام؟
وما هي نوعية التكوين التي يتطلبها هذا الصنف الجديد من التعليم؟
وما هي المهارات البيداغوجية التي يتطلبها هذا التعليم؟
من خلال تحليلنا لأوجه العلاقة بين الإعلام والتربية يتضح أن هذه العلاقة طرحت عديد الإشكاليات. وهي تطرح اليوم إشكاليات أكثر أهمية.
إنّ مسألة إدخال التقنيات الحديثة إلى المدرسة كأداة بيداغوجية وكمحور للدراسة يتوقف على درجة الوعي بأنّ المؤسسة التربوية كغيرها من البنى الاجتماعية، موقع من المواقع التي تخترقها الأطراف الاجتماعية الأخرى وأنّها ليست بمنأى عن التناقضات التي تخفيها استراتيجيات تلك الأطراف (4).
فهل أن المناخ السياسي خطابا وممارسة يوفر اليوم، على عكس البارحة، أكثر حظوظا لإرساء مقومات التكامل والتفاعل بين الإعلام والتربية ضمن تصور واضح الأهداف؟
إن مستقبل العلاقة بين التربية والإعلام لا يرتبط بمواقف المربين والإعلاميين فحسب، بل إنه يهم المجتمع بأكمله، من قادة سياسيين وأصحاب قرار وكذلك الأسرة والتنظيمات الاجتماعية.
ـــــــــ
1) E. Deshaintre et autres : Techologis de l'information de la communication pour l'enseignement, techniplus, Ed. Casteilla, Paris, 1999.
2) Jean Lochard : la Formation à distance ou la liberté d'apprendre, les Editions d'organisations. Paris 1995.
3) ذكر الأمير طلال بن عبد العزيز خلال مؤتمر إقليمي عربي للتعليم العالي عقد في بيروت عام 1998 عن إنشائه وتمويله لجامعة عربية مفتوحة وإنشائه قناة فضائية تعليمية مختصصة.
4) أشغال ندوة الإعلام والوسط المدرسي، معهد الصحافة وعلوم الأخبار تونس ـ 1994. ص26.
http://www.afkaronline.org/arabic/archives/avr-mai2004/hemden.html
وتكتسي مختلف هذه المبادرات أهمية خاصة لأنّها تبشر بتطوّر مستقبلي في طبيعة العلاقة بين المؤسسة الإعلامية والمؤسسة التربوية في الوطن العربي.
إنّ الجدل القائم حول العلاقة بين التربية والإعلام ليس بالجديد. والدراسات المتعلقة بتفاعل المؤسسة التربوية مع وسائل الإعلام عديدة ومتنوّعة. والندوات المنعقدة حول هذا الموضوع الهام تكتسي طابعا وطنيا وإقليميا ودوليا.
وقد أبرزت مختلف هذه الندوات والدراسات والمطارحات مظاهر التنافر والتضارب بين المؤسسة التربويّة والمؤسسات الإعلامية من ناحية. كما أبرزت من ناحية أخرى مظاهر التوافق والتجانس والتكامل بينهما.
فأية صورة تحملها المؤسسة التربوية عن وسائل الإعلام؟
وأية مواقف أنتجتها المدرسة حول الإعلام؟
إنّ طرح هذا الموضوع في هذا الوقت بالذات، وفي وطننا العربي بالتحديد، يكتسي أهمية خاصة لأنّه أصبح يثير إشكاليات جديدة تتجاوز ما كان مطروحا في السابق من إشكاليات. وسنسعى من خلال هذه الدراسة الى تحديد الإشكاليات التقليدية والإشكاليات الجديدة التي تطرحها العلاقة بين الإعلام والتربية.
I - الإشكاليات التقليدية:
لقد اتّسمت العلاقات القائمة بين المؤسسة التربويّة ووسائل الاتصال بشيء من التصادم. ولم يكن أغلب رجال التربية ينظرون بعين راضية إلى تعامل التلميذ مع وسائل الإعلام. ولم تكن أغلب الأنظمة التربويّة تسمح بدخول الصحيفة أو المادة الإعلامية السمعية البصرية الى المدرسة، كما كانت صورة الثقافة التي تروّجها وسائل الإعلام سلبيّة بالنسبة لأغلب المربين الذين يعتبرون هذه الثقافة سطحية وفسيفسائية ومبتذلة وغالبا ما تبدو المدرسة منغلقة على ذاتها.
وفي حين كانت الثقافة التي تروّجها المدرسة تتسم بطابعها المؤسساتي المنظّم والمتدرّج وفق أهداف بيداغوجية واضحة، فإنّ المادة التي تروّجها وسائل الإعلام تتسم بالخصوص بطابعها الترويجي ولا تخضع الى أية خطة واضحة لنشر المعرفة، وتبدو الثقافة المدرسية في تباين مع الثقافة التي تروّجها وسائل الإعلام.
ولهذا فإنّ الاختلاف القائم بين المؤسستين التربوية والإعلامية كان مثارا للتخوّف بالخصوص لدى رجال التربية.
فهل يفسّر انغلاق المدرسة على نفسها بحرصها على الحفاظ على استقرارها التقليدي وخوفها من تفكّك بنائها؟ وهل أن هذا الانغلاق يعود الى نزعة التصدّي لكلّ ما هو تجديد أو تغيير؟
إنّ مجالات التجانس والتشابه بين المؤسّستين التربوية والإعلامية لم تكن خافية على بعض الدارسين والمربين المجدّدين.
فدور المؤسسة الإعلامية لا يقلّ قيمة عن دور المؤسسة التربوية في التنشئة الاجتماعية للفرد، إلى جانب المؤسسة العائلية. كما أن الوقت الذي يقضيه الطفل أو الشاب في تعامله مع وسائل الإعلام لا يقلّ أهمية عن الوقت الذي يقضيه في المدرسة. وتساهم وسائل الإعلام في ضمان ديمقراطية المعرفة مثلما ترنو إليه المدرسة العصريّة بل إنّ الوسائل الإعلامية السمعيّة البصريّة تؤدي وظيفة ثقافيّة وتربويّة حتى بالنسبة إلى من يجهل الكتابةوالقراءة ولمن لم يتعلّم في المدرسة، كما أن التعلّم عبر وسائل الإعلام يقوم في جوهره على ترابط عضوي بين التعلّم والترويح عن النفس. لذلك فإنّ المدرسة ووسائل الإعلام يخدمان نفس الأغراض التربويّة. وذهب بعض الباحثين الى اعتبار المؤسسة الإعلامية مدرسة موازية. واعتبرها البعض الآخر المدرسة العصرية. واعتبر البعض الآخر أنّ إدخال وسائل الإعلام في صلب المدرسة لا يعني قطعا تفوّقها المطلق على المناهج التقليدية بل إنّها مكمّلة لها.
وعلى هذا الأساس، عمل بعض المجددين من رجال التربية في الوطن العربي وفي أجزاء أخرى من العالم على تجاوز القطيعة القائمة بين وسائل الإعلام والمدرسة لتوظيف الإعلام في خدمة التربية. وبذلك قامت تجارب متعدّدة في مجال الصحافة المدرسيّة ساهمت في تنمية مهارات التحرير لدى التلاميذ بصفة حيويّة من خلال الوسائل الإعلامية كما كانت المادة اللغويّة للصحف من الأدوات البيداغوجيّة لتدريس قواعد اللغة بصفة نشيطة من قبل بعض المربين.
وإلى جانب الصحافة المكتوبة، دخلت وسائل الإعلام السمعيّة البصريّة الى المدرسة، وتولى بعض المربين تأطير إذاعات داخلية يتولى تنشيطها التلاميذ في المدارس. كما تولّى البعض الآخر من المربين تنشيط نواد للسينما يقوم نشاطها على عرض للأفلام يتبعه تقييم نقدي لهذه الأفلام على مستوى شكلها الفنّي ومضمونها.
كما تمّ استغلال التلفزيون وجهاز الفيديو داخل قاعات الدرس من قبل بعض المربين كأداة بيداغوجية في عمليّة التعليم.
وإلى جانب هذه المبادرات المتفرّقة من قبل المجددين من المربين، قامت عديد التجارب في العديد من البلدان لتوظيف وسائل الإعلام في خدمة أغراض تربويّة محدّدة. وحظيت هذه التجارب أحيانا بدعم من قبل بعض المنظمات الإقليمية والدوليّة. وهكذا تمّ استغلال وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية والبصرية في خدمة حملات منظمة لمحو الأميّة. كما انتظمت حملات مشابهة لفائدة المجتمعات القرويّة أو الريفيّة وغيرها. وتمّ توظيف وسائل الإعلام أيضا في خدمة التربية الصحية والغذائية أو في خدمة الإرشاد الفلاحي أو في خدمة أغراض تنموية أخرى.
وبالرغم من هذه الاستعمالات المتعدّدة والمتنوّعة لوسائل الإعلام في خدمة أغراض تربويّة، فإنّ الجدل بقي قائما بين المربين والدارسين حول الجدوى الفعلية لوسائل الإعلام في العملية التربويّة.
وبقي التساؤل قائما حول مدى تجانس أو تناقض المؤسستين التربويّة والإعلاميّة. على أنّ طرح الإشكاليات المتعلّقة بالعلاقة بين المؤسسة التربويّة ووسائل الإعلام أصبحت تفرض ذاتها في الوقت الراهن، فقد أحدثت الثورة التكنولوجيّة في مجال الإعلام والاتصال تحوّلا جذريا في طبيعة العلاقة بين التربية والإعلام.
ويتمثل هذا التحوّل في استعمالات المؤسسة التربويّة للتقنيات الجديدة للإعلام والاتّصال كأدوات بيداغوجيّة لإكساب عملية تبليغ المعرفة مزيدا من النجاعة، كما أنّ وسائل الإعلام أصبحت في حدّ ذاتها محورا للعمليّة وضمن برامج التعليم في المدرسة.
II - الإشكاليات الجديدة المرتبطة باستعمالات تكنولوجيا الإعلام في التربية:
لقد تطوّرت تكنولوجيا الإعلام بشكل سريع وجذري منذ تسعينات القرن العشرين، وكان لانتشار الأقمار الصناعيّة من ناحية ولنمو تكنولوجيا الإعلاميّة تأثيرهما الواسع على مختلف مجالات الحياة بما في ذلك على الحياة المدرسيّة، كما أنّ الأنترنات أصبح يمثل وسيلة إعلاميّة متكاملة تجمع بين الصورة والصوت والنصّ المكتوب وتكتسح مختلف الفضاءات وتهتمّ بمختلف حقول المعرفة.
ونتيجة لهذه التحوّلات التكنولوجية الهامة، تحوّل موقف المؤسسة التربويّة بمختلف مستوياتها إزاء تكنولوجيا الإعلام. وبعد أن كان استعمال وسائل الإعلام منحصرا في بعض التجارب المتفرّقة لبعض المربّين المجدّدين، أصبح اقتناء أجهزة الكمبيوتر مطمحا لأغلب المسيّرين للمؤسسات التربويّة، وأصبح الارتباط بشبكة الانترنات من الأهداف التربويّة الاستراتيجيّة. وبعد أن كانت المؤسسة التربويّة تنظر الى وسائل الإعلام نظرة يطغى عليها النفور، تحوّلت هذه النظرة ليصبح استعمال هذه الوسائل مرادفا لمواكبة العصر. وعلى المستوى الوطني، أصبحت عديد الدول تضع ضمن خططها برامج لتعميم الإعلامية وتكنولوجيا المعلومات في مختلف المؤسسات التربويّة العموميّة. وبذلك تتميّز أصبحت المرحلة الراهنة بانبهار خاص إزاء التكنولوجيا الجديدة.
وأصبح استعمال هذه التكنولوجيا في صلب العمليّة التربويّة، إذ أصبح المربي يستغلّ وسائل الإعلام في مختلف العمليات البيداغوجية للبحث عن المعلومات وتجميعها وتكوين الملفات الدراسيّة ولتنمية ملكة التحرير ولتنمية الاتصال والتعارف داخل المدرسة وبين مختلف المدارس (1).
كما أصبح المربي يستعمل وسائل الإعلام بصفة شخصية لإعداد دروسه ولتوسيع قاعدة معلوماته.
ونتيجة لهذه التحوّلات التكنولوجية، تطوّر دور التلميذ في العمليّة التربويّة ليصبح أكثر فاعليّة. فإلى جانب المعلومات التي يتمّ تلقينها له داخل المؤسسة التربوية، أصبح بإمكان هذا الأخير أن يتعلّم في بيته من خلال الأشرطة السمعيّة والبصريّة أو الاسطوانات وأقراص الليزر وغيرها من الوسائل التكنولوجية العصريّة.
وبالتوازي تطوّر دور المربي، بل إنّ حضوره كطرف مباشر في العملية التربويّة لم يعد ضروريّا. وإذا ما ظهرت في الماضي بعض التجارب للدراسة عن بعد، بالانتساب بواسطة دروس ترسل بالبريد، فقد عوضت المواصلات اللاسلكيّة مراكز البريد وظهر مفهوم جديد هو التربية الإلكترونيّة يقوم على استخدام الكمبيوتر الشخصي وأجهزة الاتصال عن بعد (2).
وأصبح التعليم عن بعد متعدّد المظاهر يمكن أن يتمّ عبر الجامعات الافتراضيّة والمواقع التعليميّة في شبكة الانترنات بفضل الأقمار الصناعيّة من خلال عديد القنوات التلفزيّة التعليميّة ( 3).
وبذلك أصبح التواصل بين المربّي وطلبته ممكنا حتى وإن كانوا في مواقع متباعدة.
إنّ مختلف هذه التحوّلات تطرح إشكاليات من نوع جديد، كما أنّ العلاقة التي تتعزّز تدريجيّا بين المؤسسة التربويّة وتكنولوجيا الإعلام تتطلب المزيد من الدراسة والتعمّق. وتجاوزا لمرحلة الانبهار يتعيّن التساؤل عن الجدوى الحقيقيّة لاستعمال تكنولوجيا الإعلام لأغراض تربويّة: ما هي الأهداف التي تطمح المؤسسة التربويّة إلى تحقيقها من خلال استعمال هذه التكنولوجيا؟ وما هي المهارات التي يمكن اكتسابها؟ وما هي البرامج الدراسية الأنسب لهذا الاستعمال؟ وما هي شرائح المتعلّمين الأكبر استفادة من هذه التكنولوجيا؟
ولتحديد الجدوى الفعليّة لوسائل الإعلام في العمليّة التربويّة، يمكن الاعتماد على المنهج المقارن بين مختلف النظم التعليميّة: فهل أن الطلاب الدارسين في الجامعات النظامية العاديّة يفوقون في معلوماتهم أو مهاراتهم الطلاب الدارسين عبر التلفزيون التعليمي الفضائي؟ وهل أنّ الصنف الأوّل من الطلاب أكثر استفادة من التعليم بالمقارنة مع الطلاب المتعلّمين عن بعد؟
وإلى جانب المردود العلمي والمعرفي، هل يختلف المردود الاجتماعي لنظاميْ التعليم. وهل يمكن القول إنّ التعليم عن بعد يشجّع الطالب على العزلة والانزواء؟
لا يمكن تحديد الجدوى من استعمال تكنولوجيا الإعلام في المنظومة التربويّة من دون تحليلالأبعاد الاقتصاديّة لهذا الاستعمال: فما هي كلفة هذه التكنولوجيا بالمقارنة مع كلفة نظام التعليم التقليدي وما هي مميزات سوق المنتوجات التربويّة التكنولوجيّة؟ هل أنّنا نساهم في إنتاج هذه المادة التربويّة أم أنّنا مجرّد مستهلكين لها؟ وإذا كان هذا الإنتاج أجنبيّا بالأساس، فما هي انعكاساته الثقافيّة على جمهور الدارسين؟ وهل تساهم التكنولوجيا في تجذير الطالب في محيطه الثقافي أم أنّها تمثل تهديدا لهويّتنا العربيّة الإسلاميّة؟
III- الإشكاليات المرتبطة بالإعلام كمحور للعمليّة التربويّة:
إلى جانب استعمال الإعلام كأداة بيداغوجيّة في العمليّة التربويّة، فإنّ التطوّر التكنولوجي فرض مظهرا مهمّا من مظاهر التكامل بين الإعلام والتربية. فقد أصبح الإعلام محورا من محاور العمليّة التربويّة. وتمّ إدراجه ضمن برامج التّدريس في مستويات تعليميّة مختلفة وبدرجات متفاوتة. وإلى جانب تدريب التلميذ على استعمال الكمبيوتر وعلى التعامل مع الانترنات وغيره من وسائل الاتصال، ظهرت مادة دراسيّة جديدة تعرف بالتربية الإعلاميّة.
وفي الحقيقة، فإنّ هذه المادة ليست بالجديدة بالنسبة للبرامج التعليميّة في العديد من الدول، بل إنّها مظهر من مظاهر التطوّر في النظام التعليمي والرّقي بالنسبة للبلدان. ويجد خريجو معاهد الإعلام الأمريكيّة والأوروبيّة مجالات رحبة لتشغيلهم في المعاهد بهدف تأمين تربية إعلاميّة للشباب.
وإذا ما تجاهلت بعض الأنظمة تدريس الإعلام، فإنّ الثورة التكنولوجيّة جعلت التربية الإعلاميّة أكثر إلحاحا. لقد كانت الدول إلى وقت غير بعيد تتميّز بسيادتها الكاملة على سكانها وعلى أراضيها، وإذا كان بإمكانها أن تتحكّم في التدفق الإعلامي داخل حدودها وأن توظف الإعلام لخدمة مصالحها الوطنيّة، فقد أسفر التطوّر التكنولوجي عن تطويرجذري للمشهد الإعلامي في كل بلد، وأسفر البث المباشر للبرامج التلفزيونيّة عبر الأقمار الصناعيّة على المس من احتكار عديد الدول لقطاع الإعلام. ولم تعد هذه الدول تتحكّم بالتالي في ما يروّج من مادة إعلاميّة داخل حدودها ولم تعد قادرة على التصدّي للبث الإعلامي الخارجي وعلى مواجهة الاكتساح الثقافي الأجنبي. كما أنّ الانترنات أصبح يتجاوز الحدود الإقليميّة ليفرض تدفقا دوليا للمعلومات يصعب التصدي له. ولذلك كثر الجدل حول الغزو الثقافي والتهديدات التي أصبحت تواجهها الثقافات الوطنيّة.
ونتيجة لهذه التحوّلات التكنولوجيّة، أصبح الجمهور أكثر إقبالا على البرامج التلفزيونيّة وأكثر تعاملا مع الأنترنات. وأصبح جمهور الأطفال والشباب بالخصوص أكثر عرضة للمادة الإعلاميّة والثقافيّة الأجنبيّة وأكثر قابليّة للتأثر بهذه المادة "لقد أصبح الأطفال والشباب يتعرّضون ويتفاعلون مع تيارات ثقافيّة ومذهبيّة وسياسيّة ضمن فضاءات ثقافيّة وإعلاميّة لا تخلو من فوضى حيث تتداخل وتتنافس وتتصارع شتى أنماط الثقافة المحليّة والأجنبيّة.
وعادة ما يتّسم استهلاك هذا الجمهور للمنتوج الإعلامي بالسلبية، إذ أنّ هذا الجمهور غافل عن ظروف انتاج القنوات التلفزيونية وعن خلفياتها المالية والإيديولوجية وعن المحتويات الضمنية للبرامج وعن أهدافها الدعائية أو التجارية.
ولهذا فإنّ المؤسسة التربوية تبدو مؤهلة أكثر من غيرها لتمكين هذا الجمهور غير الراشد من ثقافة إعلامية تجعل استهلاكه للمادة الإعلامية أكثر عقلانية وتعامله مع الإنتاج الثقافي الأجنبي أكثر نقدية. كما أنّ التربية الإعلامية يمكن أن توفر للتلميذ وعيا أكبر بخلفيات وسائل الإعلام في توجيه الفكر والأذواق والسّلوك.
ويطرح تدريس الإعلام العديد من الإشكاليات:
فهل يتعيّن إدراج دروس الإعلام داخل المؤسسة التعليمية، وضمن البرامج الرسمية؟ أم يحسن إدراج هذا التكوين في إطار نشاط الجمعيات والنوادي المدرسية؟
ويكتسي تحليل الأهداف البيداغوجية لتدريس الإعلام أهمية خاصة:
هل يقتصر هذا التدريس على إكساب التلميذ مهارات في استعمال المراجع واستغلال المكتبات والبحث عن الوثائق؟
وهل يتعيّن تعريف التلميذ بالتكنولوجيات الإعلامية الجديدة وتدريبه على استعمالها؟
وهل يحسن تشريك التلاميذ في النشاط الإعلامي بصفة إيجابية من خلال بعث مجلات وصحف مدرسية وإنتاج برامج سمعية بصرية؟
وهل يتعين تدريب التلميذ على قراءة للصحيفة المكتوبة وللرسالة السمعية البصرية؟
وهل يحسن استغلال الوسائل الإعلامية كأدوات مساندة بيداغوجية؟
ولا يمكن التعرض لهذا الموضوع الحيوي دون الاهتمام بتكوين المكونين في مجال تدريس الإعلام؟
وما هي الكفاءات التي يجب أن تتوفر لهم في ميدان الإعلام؟
وما هي نوعية التكوين التي يتطلبها هذا الصنف الجديد من التعليم؟
وما هي المهارات البيداغوجية التي يتطلبها هذا التعليم؟
من خلال تحليلنا لأوجه العلاقة بين الإعلام والتربية يتضح أن هذه العلاقة طرحت عديد الإشكاليات. وهي تطرح اليوم إشكاليات أكثر أهمية.
إنّ مسألة إدخال التقنيات الحديثة إلى المدرسة كأداة بيداغوجية وكمحور للدراسة يتوقف على درجة الوعي بأنّ المؤسسة التربوية كغيرها من البنى الاجتماعية، موقع من المواقع التي تخترقها الأطراف الاجتماعية الأخرى وأنّها ليست بمنأى عن التناقضات التي تخفيها استراتيجيات تلك الأطراف (4).
فهل أن المناخ السياسي خطابا وممارسة يوفر اليوم، على عكس البارحة، أكثر حظوظا لإرساء مقومات التكامل والتفاعل بين الإعلام والتربية ضمن تصور واضح الأهداف؟
إن مستقبل العلاقة بين التربية والإعلام لا يرتبط بمواقف المربين والإعلاميين فحسب، بل إنه يهم المجتمع بأكمله، من قادة سياسيين وأصحاب قرار وكذلك الأسرة والتنظيمات الاجتماعية.
ـــــــــ
1) E. Deshaintre et autres : Techologis de l'information de la communication pour l'enseignement, techniplus, Ed. Casteilla, Paris, 1999.
2) Jean Lochard : la Formation à distance ou la liberté d'apprendre, les Editions d'organisations. Paris 1995.
3) ذكر الأمير طلال بن عبد العزيز خلال مؤتمر إقليمي عربي للتعليم العالي عقد في بيروت عام 1998 عن إنشائه وتمويله لجامعة عربية مفتوحة وإنشائه قناة فضائية تعليمية مختصصة.
4) أشغال ندوة الإعلام والوسط المدرسي، معهد الصحافة وعلوم الأخبار تونس ـ 1994. ص26.
http://www.afkaronline.org/arabic/archives/avr-mai2004/hemden.html
مواضيع مماثلة
» المدرسة "تقضي" على مستقبل 200 ألف تلميذ يحملون عقول العباقرة
» دور الإعلام في تربية الأطفال
» تعريف الإعلام الآلي
» " أسس تخطيط برامج الإعلام التربوي"
» أساليب التعامل مع الطلاب المشاكسين كيف توطد العلاقة مع الطلاب المشاكسين
» دور الإعلام في تربية الأطفال
» تعريف الإعلام الآلي
» " أسس تخطيط برامج الإعلام التربوي"
» أساليب التعامل مع الطلاب المشاكسين كيف توطد العلاقة مع الطلاب المشاكسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى